السبت، 2 فبراير 2019

تحرّر من قيودك (10) / الدكتور خالد بن محمد المدني

من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
تحرّر من قيودك (10)
في التدوينة السابقة تحدّثت عن التكنيك الثالث للتحرّر من القيود وهو : قوّة الإختيار، وفي هذه التدوينة أتحدث عن الطريقة الرابعة وهي : تقدير الذّات، وأختم الحديث بذلك عن هذه السلسلة الهامّة.
أنت مقدّر، ويجب أن تشعر بهذا التقدير، وأن ترى ذاتك مقدّرة، قال معاوية بن أبي سفيان يوماً لزياد بن أبيه القائد العسكري عنده والذي لا يُعرف له أب سأجعلك زياد بن أبي سفيان وتكون أخي، فأجابه زياد: ثكلتك أمّك يامعاوية وما أدراك علّ أبي خيراً من أبيك، صحيحٌ أنّني لا أعرفه لكنّه قد يكون فارساً شجاعاً،  لو لم يكن زياد يتمتع بتقدير ذات عال ونظرة محترمة لذاته لما قال ذلك، ووقف هارون الرشيد في أحد اسفاره عند رجلين فقال للأوّل : انتسب فسرد نسبه، وقال للآخر انتسب: فقال له أنا الذي ستبدأ بي الشجرة، فأُعجب هارون من نظرته لذاته التي لم تضع للنسب ولا للحسب قيمة، بل وضع لذاته قيمة، الله سبحانه وتعالى خلقك ومنحك خمس شهادات لم يمنحها لك لإنجازاتك، ولا لعلمك، ولا لحسبك، ولا لنسبك، بل لذاتك.
الأولى : التكريم: فأنت مكرّم محترم " ولقد كرّمنا بني آدم" فلا ينبغي خفض مارفعه الله.
الثانية: التفضيل : فأنت مكرّمٌ محترمٌ مفضّل على أكثر خلقه " وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلًا"
الثالثة: منحك قوّة الإختيار : منحةً لا اكتساباً، وهبةً لا صناعة، فقط طلب منك تفعيلها وممارستها " وهديناه النجدين " "فألهمها فجورها وتقواها" فلا تقبل أن تفوّض حقّك في الإختيار للآخرين فإنّ فيه مصادرةً لعنوانك، وهوّيتك، وإنسانيّتك.
الرابعة: ضمن لك رزقك " : وفي السماء رزقكم وما توعدون "، فقط اسعى إليه فإنّ الرزق لن يأتيك وأنت جالسٌ تنتظره ، فالسماء لاتمطر ذهباً كما قال عمر ـ رضي الله عنه.
الخامسة: حدّد لك أجلك : فلن تموت قبل يومك بثانية ولا بعده بثانية بل ستموت في وقتك " فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعةً ولا يستقدمون" بل أكثر من ذلك  الموت ليس له سببٌ لا مرض ولا حربٌ ولا زلازل،  الموتُ له سببٌ واحد أخبر عنه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال "لن تموت نفسٌ حتّى تستكمل رزقها وأجلها" فمن مات اكتملت حياته.
دعونا الآن نطبّق على الثلاثة أمثلة في التدوينة السابقة كيف تُخاطب ذاتك بالتكنيك الرابع والأخير وهو: قدّر ذاتك :
أولاً: قيد الوظيفة :
صالح تعيّن في وظيفة لايحبّها ولا يشعر بذاته أصلًا فيها، وليس لديه كثير عمل يعمله قالوا له: فقط وظيفتك مراقبة دخول وخروج الطلاّب في الصّباح وعند الإنصراف، صالحٌ تعلّم أنّ تقدير الذّات داخلي وليس خارجي، وهو مرتبطٌ بذاته وليس بالآخرين فقد خلقه الله مقدّرًا محترمًا فسيقول لذاته : العمل ليس عيبًا ، العمل شيء وذاتي شيءٌ آخر مختلفٌ عنه كانت امرأة تنظّف المسجد في عهد النبيّ عليه الصّلاة والسلام فمّا ماتت سأل النبيّ عنها وصلّى على قبرها، إذن صالح اختار أن يتعلّم واختار تقدير الذّات لأنّه محترمٌ من الله.
ثانياً: قيد الماضي :
سعد شتمه شخصٌ في مجلس من المجالس، لكنّ سعدًا لم يردّ عليه، وبعد مرور خمس سنوات على هذه الحادثة إلاّ أنّ سعدًا مازال يتألّم من هذه الحادثة ويلوم نفسه لماذا لم أردّ عليه، سعدٌ الآن بعد أن قدّر ذاته يخاطبها فيقول: لايستطيع أحدٌ إهانتي لأنني محترم، ذلك الشخص أهان ذاته لأنها عمل سلوكاً مشيناً، بل أكثر من ذلك سعد يقول لذاته الآن: ذلك الشخص كلّ الذي عمله معي أنّه سلك سلوكاً عدوانيًا ضدّي، وأنا اخترت أن أسفهه لأنّني كريم متربّي ولست ضعيفاً.
ثالثاً: قيد الخوف من المرض :
أعرف شخصاً جاءني في مكتبي الإستشاري وقد أًصيب بالسكّر، لم يأتني يطلب استشارة كيف يتعايش مع هذا المرض بل جاءني يسأل عن كيف يطوّر ذاته، ويزيد من وعيه، لكنّه أخبرني بقصّته وكيف أُصيب بالسكّر وقد عرفنا سابقاً أنّه اختار الفعل على الإنفعال، هو الآن يًخاطب ذاته فيقول: المرض جاءني ليس لأنّ الله ينتقم منّي فالله خلقني مكرّمًا بل هو بسبب اختلال عضوي فذاتي شيء ومرضي شيءٌ آخر فأنا أحترم ذاتي وأُحبّها برغم إصابتي بالسكّر، وقد اخترت العلاج على الصبر، والتعلّم على التألّم، والفعل على الإنفعال.
                                                                                           انتهى..
د.خالد محمد المدني
خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة
رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO
دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا
للتواصل مع الدكتور خالد المدني