الجمعة، 24 فبراير 2023

لكلّ حدث قراءتان كما أنّ لكلّ عملة وجهان - من كتابات الدكتور خالد المدني

 

لكلّ حدث قراءتان كما أنّ لكلّ عملة وجهان

كثيرًا ما ينتشر في فكر الذّات وروّاده ومن يتعاملون معه عبارة الجانب الإيجابيّ للحدث السلبيّ فهل هذ اكلامٌ منطقيّ أم هو تخديريّ عاطفيّ ، وهل هناك فعلًا جانب إيجابيّ من وراء الحدث الذي نكرهه ؟ بحثتُ هذا الموضوع كثيرًا عند علماء النفس ومدارسها الغربية منها والعربية وحقيقة ما توصّلت إليه وآمنتُ به أنّ هذا الكلام صحيحٌ شرعًا وصحيحٌ عقلًا ، فالخالق سبحانه وتعالى الحكيم الذي خلقنا وهو أعلم بنفوسنا قال في محكم التنزيل (وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم) إذن في الشرّ الذي يراه الناس شرًا خيرًا قد يكون عميمًا ليس ذلك فحسب بل (وعسى أن تُحبّوا شيئًا وهو شرٌّ لكم) حتى الشيء الذي نُحبّه ونهواه ونتمنّاه قد يكون فيه شرّ وختم الآية الكريمة  (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) (البقرة ، 216) والحديث كان في سياق القتال في سبيل الله لبيان أنّ ما دونه أقلّ شأنًا وأخفّ وطأةً فليس هناك أعظم من تقديم النفس والتضحية بها ، وبدأ بالمكروه وقدّمه على المحبوب فالله الذي قدّر الأقدار وأجراها في الكون هو من صفاته أنه أرحم الرّاحمين لكننا لم نكتشف الخيرة في الحدث السلبيّ الذي من أجله أراده الله ، هذا شرعًا ، وعقلًا ومنطقًا أقول أنّ لكلّ حدثٍ قراءتان كما أنّ لكلّ عملةٍ وجهان وكوننا لم نرى الوجه الإيجابيّ في الحدث السلبيّ لا ينفي ذلك وجوده لكننا نحنُ لم نستطع قراءته والسبب في ذلك من وجهة نظري في سببين :

الأول : البرمجة المجتمعية التي تبرمجنا عليها والتي لا ترى إلاّ الجانب الفارغ من الكوب.

الثانية : الانفعال الشديد حين تفسير الحدث ولذلك أرى أنّه لكي نكون قادرين على التعامل مع الأحداث السلبيّة لابدّ من أربعة خطوات نعملها حين تلقّي الخبر السلبيّ:

الأوّل : تقبّل الخبر والسماح للمشاعر أن تستجيب فهي مشاعر إنسانية طبيعية ولأننا أرواح نُحسّ ونشعر فهي شحنة طبيعية زائدة تبحث عن مخرج ونستحضر هنا للمساعدة على ذلك المعاني الإيمانية العميقة "إنا لله وإنا إليه راجعون" "اللهم آجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرًا منها"

الثاني : تفريغ الانفعال بالحركة بالفعل والفعل يقود الانفعال كما هو معلوم في علم النفس وهو منهجٌ ربّاني(أقم الصلاة طرفي النهار وزُلفًا من اللّيل إنّ الحسنات يُذهبن السيئات) (هود ، ١١٤) وسبب نزول هذه الآية كما رواه الإمام البخاريّ ـ رحمه الله ـ أنّ رجلًا قبّل امرأة في الطريق فذهب نادمًا لرسول الله يطلب منه الإرشاد فأنزل الله هذه الآيات فقال أحد الصحابة أله خاصةٌ يارسول الله أم هي عامة للجميع فقال عليه الصلاة والسلام بل هي عامة للجميع ، إذن القرآن أرشد  للفعل وليس للانفعال افعل ولا تنفعل وهدف الحركة هنا تبريد الانفعال "أرحنا بها يا بلال" "إنّه ليغانُ على قلبي فأهرع للصلاة" ـ رواه الإمام مُسلم ـ رحمه الله ، والصلاة حركة كان يمارسها نبيّ الرحمة - عليه الصلاة والسلام حين شعوره بالهم أو الغمّ "ليغان" و "أرحنا بها"

الثالث : التحكّم بمسمّى الحدث أي تفسيره فهناك من يصف حدثًا معينًا بأنه كارثة أو مصيبة أو نهاية العالم وهذا يسبب له ألمًا مضاعفًا والصحيح أنه حدثٌ من الله يختبر فيه إيماننا أولًا وثانيًا الله سبحانه وتعالى عندما قرّر علينا أحداثًا زوّدنا بإمكانيات التعامل معها ، والمطلوب هو تحمّل المسؤوليّة عن الحدث وإبراز الإمكانات لتجاوز التحديات.

الرابع : وضع خطة للفعل وتحسين الواقع وتطبيقها في العالم الخارجيّ ، إذن مسمياتك تتحكم بتفسيراتك ، بل حتّى بكميّة انفعالاتك المتّصلة بتفسيراتك ، فالخلاصة أنّ لكل حدث قراءتان صحيحٌ شرعًا وعلمًا ، وقد تحدثتُ عن ذلك بإسهاب في كتابي : الصبر عند الصدمة الأولى ـ عشر خطوات للتعامل مع أحداث الحياة

 د.خالد محمد المدني

خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة
رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO
دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا
للتواصل مع الدكتور خالد المدني

www.rosheta.net