الجمعة، 23 نوفمبر 2018

تحرّر من قيودك (3) / الدكتور خالد بن محمد المدني


من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
تحرّر من قيودك (3)
في التدوينة السابقة من سلسلة تدويناتنا عن التحرر من القيود تحدثت عن نقطتين هامتين هما :

أولاً : ماالذي يمنعك القيد عن فعله؟
ثانياً : لماذا يجب أن نتحرّر من قيودنا ونسرج خيولنا؟ وأجبنا عن هذين السؤالين فراجع إجابتتا في تدوينة تحرّر من قيودك (2)
وفي هذه التدوينة أتحدث عن أسباب القيود التي يعاني منها الكثيرون، هناك أربعة أسباب هامة لأيّ قيد تعاني منه سمّها إن شئت مصادر، فأيّ قيد في حياتك له أربعة مصادر،  أجبنا في التدوينة السابقة كيف أعرف أنّ عندي قيود؟ وأجبنا عن ذلك فراجعه، الآن أتحدث عن مصادرها :
- مصادر القيود الذهنية :
هناك أربعة مصادر لأي قيدٍ عقلي يعاني منه الشخص :
أولاً : معلومة خاطئة :
أيّ قيد ذهنيّ يشتت عقلك، ويحبسك في مكانك قد يكون سببه أنّك اكتسبت من مجتمعك معلومة خاطئة ظننتها صحيحة فتحكمت بحياتك، ووضعت على عقلك قيد فأصبح يُثقل كاهلك، ويغثّك،  ويمنعك من الانعتاق والانطلاق في حياتك،  وسأُعطي عدة أمثلة لذلك، كثيرون لديهم قيدٌ عقلي يمنعهم من التمتع بحياتهم، وتحقيق غاياتهم، والاستمتاع بحياتهم وهو الخوف من الموت، جميع المخاوف من أدناها إلى أقواها سببها واحد، الخوف من الموت، كلّها؟ نعم كلّها، فمن يخشى المرض ويحاذره يخشى أن يمرض فيموت، ومن يخاف من استخدام المصاعد يخشى أن ينغلق عليه المصعد فيضيق نفسه وتتحشرج أنفاسه ويموت، ومن يرفض ركوب الطائرة ويخاف منها يخشى أن تسقط فيموت، فكرة الموت بحدّ ذاتها في مجتمعاتنا فكرةٌ مرعبةٌ عند الكثيرين خاصّة بسبب التراث المكثّف حول ثقافة الموت المنتشرة والذي منه ماهو صحيح ومنه ماهو خاطيء، وبمجرد مانوضّح بعض المعلومات الصحيحة ينكسر هذا القيد ويزول فأولاً الموت ليس له سبب فلا الأمراض ولا الحروب ولا الزلازل سبب الموت، الموت له سببٌ واحد ليس انقضاء الأجل بل اكتمال العمر "فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولا يستقدمون" النحل : ٦١ 
وقال عليه الصلاة والسلام "إنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ فِي روعِي أنَّ نَفْساً لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا، وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلاَ يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إلاَّ بِطَاعَتِهِ" [حلية الأولياء (10/27) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (1/420) برقم (2085)].".
سقطت طائرة سودانية في إحدى السنوات وعلى متنها مئتان وخمسون راكباً لقو حتفهم كلهم إلاّ شخص واحد، لماذا لم يمت؟ لأنّ عمره لم ينقضي، ولكن لك أن تعجب حين تعلم أنّ الشخص الذي نجى كان طفلاً رضيعاً، ياسبحان الله رجال أشدّاء يموتون، ونساءٌ بنيتهم قوية تفيض أرواحهم، وطفلٌ رضيع يعيش، وأنا ابن عشر سنين دُفنت تحت الرمل كاملاً وبقيتُ دقائق مدفوناً قبل إخراجي، ثم تمّ إخراجي، وأكملتُ حياتي، كيف حصل ذلك، لأنّ عمري لم ينقضي بقي لي سنين أحياها وأدرس وأعمل وأحصل على درجات عليا في التعليم، وأتزوج، وأكوّن أسرة وعائلة ولله الحمد والمنة .
تخلّص من المعلومة الخاطئة التي تقول أنّ الموت له أسباب إلى معلومة أنّ الموت ليس له إلاّ سببٌ واحد اكتمال الحياة وعندها ستتمتع بحياتك وتنطلق لتحقيق غاياتك 
وثانياً:  أنّ الموت انعتاق من الدنيا وتحرٌّ منها وتمتّع بالآخرة، لكن مادمت في الحياة فتمتع لآخر نفس "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها" القيامة قامت فلم الغرسُ إذن ؟ إنها دعوةٌ للحياة والتمتع بها لآخر دقيقة فيها، ولأنّ من أمر بأخذ الروح هو خالقك العظيم أرحم الراحمين "وما كان لنفس أن تموت إلاّ بإذن الله كتابًا مؤجلًا
في التدوينة القادمة سأتحدث بمشيئة الله عن المصدر الثاني من مصادر القيود الذهنية وهي
الخبرة المسبقة
..يتبع ..










د.خالد محمد المدني
خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة
رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO
دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا
للتواصل مع الدكتور خالد المدني

الجمعة، 16 نوفمبر 2018

تحرّر من قيودك (2) / د.خالد المدني


من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
تحرّر من قيودك (2) 


في التدوينة السابقة تحدثت عن قصة الفيل الهندي وكيف يقومون ببرمجته ووضعه ضمن ثقافة منضبطة، وكيف يتم ايضاً برمجة الإنسان بذات الآليّة، وتعرّفنا على أنّ الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يستطيع كسر البرمجة لأنّ الله زوده بقوّة الاختيار وفوقها الاستبصار لتحديد المسار، وفي هذه التدوينة أتحدث عن مصادر القيود الذهنيّة، من أين جاءتنا ؟
دعونا أولّاً نتعرّف ماهو القيد الذهنيّ ؟
القيد شيء يثقل كاهلك، ويجعلك عاجز عن فعل شيء ومثاله: الخوف من المستقبل فالخوف من المستقبل يحبسك في مكانك، ويجعلك عاجزٌ عن فعل أي شيء بسبب الخوف من الموت، والقيد أيضاً فكرة تشلّ عقلك مثل الخوف من الأمراض، فالذين يخافون من الأمراض أن تصيب أجسادهم فكرهم مشتت ليس لهم غايات لأنّهم خائفون من مستقبل يرونه سيئاً.
ـ عن ماذا القيد يمنعك ؟
القيد الذهنيّ يمنعك عن أشياء كثيرة في حياتك فأولًا القيد يستنفذ طاقتك، الخوف من المستقبل أو التوتر من الحاضر يستنفذ طاقتك، القيد ثيانياً شتت تفكيرك يجعلك غير قادر على التركيز على غاياتك وإنجازاتك، والقيد ثالثاً : يسيطر على انفعالاتك فيصيبك بالذعر، والخوف البانك أتاك نوبات الذعر كثيرون  خائفون من الموت، والموت يسبب لهم قيدٌ في عقولهم، الموت ليس سيئاً لإنما هو اكتمال الحياة "لن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها وأجلها"، الموت انطلاقة حرية إعلان انتهاء الدور في الدنيا واستكمالها في الآخرة، لن يموت أيّ إنسان حتّى يستكمل حياته، وعمره، وأيامه بل ودقائقه.
لماذا يجب أن نتحرّر من قيودنا العقليّة ؟ 
يجب أن نتحرّر من قيودنا ونسرج خيولنا لأربعة أسباب :
أولاً : لكي نستمتع بحياتنا فالقيود تفسد متعتك بالحياة، تخيّل أنّك مقيّدٌ بقيد المستقبل خائفٌ من موت أو مرض كيف ستكون حياتك ممتعة، وتخيّل أنّك مقيّد بقيد أنّ الوظيفة مشقية متعبة كيف ستستمتع بيومك؟ وتخيّل أنّك ائفٌ من سحر أو عين كيف سيكون شكل يومك؟ كثيرون لديهم فوبيا العين والسحر والجن، الحياة حلوة رحلة لطيفة، منحة ربانيّة، هواء طلق، ضوء، شمس، جمال ألوان (انقل التمتع بالنعم )، اشرب قهوتك الصباحية على رواق، انظر لألوان الحياة، أنت في رحلة سياحيّة، كوكب فيه كل شيء، والكثير لايرى شيء، الألون، الأنعام، تذوق، تلذّذ كثير من الناس لايرى، الله أعطاك حياة وعقل لتتمتع بما حولك من النعم، تذوق لقمتك بطعم، اكتب، ارسم، ألّف،  أتعلمون أين المشكلة ؟ المشكلة ليست في واقعك بل في توقعك، المشكلة ليست خارجيّة بل داخليّة .
ثانياً : لتستحضر نعم الله عليك، القيود تمنعك من استشعار نعم الله دقيقها وكبيرها،  من أعظم نعم الله عليك العبادة، استمتع بالزمن لأنه دلالة حياة، استعد إحساسك في صلاتك، صلاتك لك، كن واعياً في شيء تكرره خمس مرات في اليوم، استحضر نعمة قراءة القرآن، تعلّم كيف تتكلّم مع ربك؟ استحضر نعمة السكينة والهدوء مع نفسك لأنك تستحق ذلك، الحديث مع النفس من أعظم نعم الله، استشعر نعمة التأمّل: تعلّم كيف تتكلّم، أغلى شيء في الوجود هو الكلام ممكن أن يرفعك أو يخفضك، (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن).
ثالثاً : القيود تمنعك من استثمار علاقاتك والتمتع بحياتك، العلاقات من أعظم نعم الله في إدخال الأنس على النفس، والواقع أنّ الكثيرين أفسدوا متعة علاقاتاهم لأنها وضعوا على الطرف الآخر قيدًا أفسدها، فيجب وينبغي ويلزم والمفروض كلها عبارات تفسد العلاقات اقبل الآخر كما هو ودعه هو يقيم سلوكه لست أنت.
رابعاً : تحقيق الغايات، القيود تمنعك من تحقيق غاياتك لأنها تعمل لك تشتيتاً لعقلك فيصبح الشخص مشلولاً ذهنياً لا جسدياً فلا غايات يبحث عنها ولا إنجازات يُحصيها، عقولنا مليئة بقيود تمنعنا من الانطلاق للمستقبل من مثل: "طارت الطيور بأرزاقها " ، "ذهبت الفرص" " إلي ضرب ضرب والي هرب هرب" ، هذه قيود عقلية تمنعك من استثمار طاقاتك لتكون ثرياً ، والله سبحانه وتعالى يقول "وفي السماء رزقكم وما توعدون" فمن نصدق؟
.. يتبع ..
د.خالد محمد المدني
خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة
رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO
دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا
للتواصل مع الدكتور خالد المدني


الجمعة، 9 نوفمبر 2018

تحرّر من قيودك (1) / الدكتور خالد المدني


من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
تحرّر من قيودك (1)


في الهند لديهم طريقة قديمة لترويض الفيل الذي يُولد حديثاً فعندما يأتي الفيل إلى الحياة يقوم أصحابه بوضع قيد في رجله مربوطٌ بسلسلة تنتهي إلى عامود، ويجعلون امتداد هذه السلسلة عشرة أمتار، يقوم الفيل بالخطو نحو الأمام عشر خطوات فيجد أنّه لايستطيع السير أكثر من ذلك فيقاوم بشدّة لكنه لايستطيع كسر قيده ولا الخروج من حدّ السلسلة، يحاول في الاتجاه المعاكس فلا يستطيع كذلك كسر قيده ولا الخروج من حدّه، يذهب إلى اليمين محاولًا فيحدث نفس الشيء، ثمّ إلى اليسار محاولاً فيحدث ذات الشيء، يعيد هذا الفيل المقيّد الكرّة بعد الكرّة والمرّة بعد المرّة لكنّ شيئاً في واقعه لايتغيّر فلا يستطيع الفيل كسر قيوده ولا الخروج من حدوده، يتركونه في هذه الدائرة المغلقة، والحدود المقيّدة سنتين، ولا يفكّون قيده حتّى يستسلم ولا يقاوم حينها يقومون بفكّ أغلاله، والعجيب أنّ هذا الفيل يتحرّك للأمام وللخلف ولليمين ولليسار لكنّه لايتجاوز المكان الذي قُيّد فيه سنتان، أصحابه من الفيلة ينادونه ليلعب ويمرح معهم لكنّه لايستجيب فلا يتحرّك إلاّ مع قطيع الفيلة الذين عاش معهم وبينهم، ماذا حدث للفيل؟ هل هناك قيدٌ يقيّده طبعاً لا؟ لكنّ القيود التي كانت في العالم الخارجي انتقلت إلى عقله فأصبحت قيوده ذهنيّة تُثقل كاهله، وتحبسه في مكان، الفيل تعرّض لمدّة سنتين إلى برمجة منضبطة ضبطت حركته وإيقاعه، ألا تذكّرنا قصّة الفيل بنا وبحالنا، نحن كذلك تعرّضنا لبرمجة منضبطة وأعراف قيّدت حركتنا، وحبستنا في أماكننا، باختصار نحن أيضًا وضعت في عقولنا قيود وحدود وسدود لكن هل هذه الحدود، هل هذه البرمجة نافعة أم ضارّة ؟ لايستطيع الإجابة عن هذا السؤال سوانا، لكنني أضع لك عزيزي القاريء أختي القارئة ثلاثة معايير تعرف من خلالها هل هذه القيود، هل هذه البرمجة نافعة أم ضارّة؟ أيّ شخص يريد أن يعرف هل القيود التي في ذهنه نافعة أم ضارّة أضع أمامه ثلاثة معايير :
أولاً : الاستمتاع بالحياة
ثانياً : تحقيق الغايات
ثالثاً : إدامة العلاقات
أيّ شخص لديه قيود ضارّة فغالباً غير مستمتع بحياته فأيامه شقى، وأيّ شخص لديه قيود فمشتّتٌ عن غاياته، لايعرفها أصلًا فحياته تذهب سُدى، وأيّ شخص لديه قيود أقعدته فعلاقاته متشنّجة  فلديه مشكلات في العلاقات، والغايات، والنظرة للحياة .
السؤال الهام : هل نحن أفيال ؟
لا نحن بشرٌ زودنا الله بالاستبصار، والاستبصار قدرة فوق الوعي أي التأمّل في جوانب حياتك والتعرف على إمكاناتك، وفوق الإستبصار أعطانا قوّة الاختيار " وهديناه النجدين"، لتحديد المسار "فألهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها" ، إذن الاستبصار بتفعيل قوّة الاختيار لتحديد المسار هذا هو الإنسان، استطيع أن أقول أنّ الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على كسر البرمجة، والخروج من الشرنقة، إذا لم يكن لديك استبصار فلن تمارس الاختيار ، معظم قيودنا اختيارات سابقة تمّ تغذيتها في عقولنا وبرمجتنا عليها من خلال الوالدين، أو المدارس، أو المجتمع ...الخ ؟ لضبط حركتنا ، وعقولنا ، تذكر أنّك لست فيل أنت إنسا ، الفرق بيننا وبين الحيوانات قوة الاختيار .
كيف أتعرّف على أصل قيودي ؟ من أين جاءت ؟ وكيف أتحرّر من قيودي ؟
أناقشه في تدوينة الأسبوع القادم بمشيئة الله.
.. يتبع ..  
د.خالد محمد المدني
خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة
رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO
دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا
للتواصل مع الدكتور خالد المدني