الجمعة، 27 نوفمبر 2020

كيف تخرج من دوامة الحزن؟

 من مقالات الدكتور خالد محمد المدني

كيف تخرج من وامة الحُزن 
تحدثتُ في كتابي : "الصبر عند الصدمة الأولى" المراحل الـ 7 التي يمرّ بها الفرد الذي باغته خبرٌ مؤلم ، وفي هذه التدوينة  سأقوم بشرح هذه المراحل مرحلة مرحلة لكي يكون الفرد واعيًا فيها ويُتقن التعامل معها حتى لاتعصف به أحداث الحياة وتلعب به أمواجها العاتية..

المرحلة الأولى : تلقي الخبر : 

هي لحظة نزول الخبر الصادم على الفرد كفقد عزيز أو خسارة في تجارة ، ومشكلة هذه المرحلة في المباغتة والمفاجأة ، وهذا مايجعل الفرد يفقد توازنه النفسي ، والروحي ، والعقلي لفترة تمتد لدقائق وربما لأشهر تعتمد على مستوى الوعي لديه.

المرحلة الثانية : الإنكار :  

وهي المرحلة التي يدخلها الفرد بعد تلقيه الخبر الصادم ، وهي إفراز للمرحلة الأولى ، وهذه المرحلة تتميز بأن الفرد يكون منذهلاً غير مصدق لما حصل ، وقد يقوده ذلك إلى إنكار ماحصل لقوة نزول الخبر الذي وقع عليه ، كما حصل مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه عندما وصله خبر وفاة النبي عليه الصلاة والسلام فكان الخبر مفاجئاً مباغتاً للجميع ، فحمل ـ رضي الله عنه ـ سيفه ، وقال من زعم أن محمداً مات ضربت عنقه ، بل ذهب إلى ربه وسيعود كما ذهب موسى إلى ربه ، ووازنه بموقف أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ الذي تلقى الخبر بثبات ، فدخل على النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقبله بين عينيه وقال :"ماأطيبك حياً وميتاً يارسول الله" ، ثم خرج إلى الناس وقال لهم : أيها الناس من كان يعبد محمداً فإنّ محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لايموت ، ثم قرأ :(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) آل عمران ، 144) ، قال عمر : فلم تحملني قدماي ، وأيقنت حينها أن رسول الله  قد قُبض ، ومرحلة الإنكار مرتبطة بشدة الموقف ، وليس شرطاً أن يمرّ بها الجميع.

المرحلة الثالثة : الشعور بالذنب : 

هذه المرحلة أخطر مرحلة قد يصل إليها الفرد الذي ابتلاه الله بنازلة ، فيبدأ بتكوين فكرة أنّ ماحصل له بسبب  ذنوبه ، والغوص في تفكير كهذا قد يجره إلى أفكار لامنطقية ، وليست شرعية أيضاً كأن يعتقد أن الله ـ والعياذ بالله ـ ينتقم منه ، وأنه سيّئ يستحق ماجرى له ، وهنا يبدأ يتكون لدى الفرد قناعة مؤذية له ؛ الإبتلاءات أفهمها بأنها أحداث خارجية تقع على الجميع ، وهي أحداث محايدة تقع في العالم الخارجي ولا نملك منعها أو التحكم بها لكن نملك إيقاف الإنفعالات السلبية واختيار السلوكيات البنّاءة  فعندما توفيت والدتي ـ رحمها الله ـ فجأة حزنت جدا لكنني قمت بأفعال بنّاءة فاعتمرت عنها وتصدقت ودعوت لها وكنت أذهب لزيارة قبرها كل يومين والدعاء لها وهذا مافعلته أيضا عندما توفي والدي ـ رحمه الله ـ بعدها بثلاثة أشهر وتعاونت وإخوتي ذكورًا وإناثًا وبنينا لهما مسجدًا في مدينة الدمام في حيينا أسميناه مسجد بر الوالدين نسأل الله أن يكون خالصًا لوجهه الكريم ، فالأحداث المؤلمة عندما تقع لايعني ذلك أنك سيء أو أنّ الله يعاقبك لا بل هي أحداث قدرها الله وهي تقع في العالم الخارجي الذي لانسيطر عليه في "الكون" لكننا نستطيع السيطرة على انفعالاتنا وردود أفعالنا نسيطر على "الكيان" والكيان نحن ، سُئل الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ " أيهما أفضل للرجل أن يُمكّن أو يُيبتلى ؟ فقال : لايُمكّن حتى يُبتلى ، والله تعالى ابتلى أولي العزم من الرّسل فلما صبروا مكّنهم " ، ووجه آخر لاينتبه له الكثير ، الله يبتلي أحبابه ليرفع منزلتهم ، وليختبر صبرهم وليسمع شكواهم ، وأنينهم ، وتضرعهم بين يديه هذه هي رسائل الابتلاء الخفية ، ويأتي ابتلاء الأنبياء والصالحين من هذا الوجه ، فما نريده منك ـ أيها الموفق ـ ألاّتؤنب نفسك تأنيبا لاتستحقه ، فإن نزل بك البلاء فبادر إلى الإصلاح ، وقد صمّمت منهجاً عملياً في كتابي الصبر إن كنتًُ راغبًا فاحصل عليه ، ففيه ستحصل على  نتائج لا توصف من تخفيف البلاء وقلب المحنة إلى منحة ، والألم إلى أمل ، والعذاب إلى عذوبة.

المرحلة الرابعة : الإنفعال الشديد :

هذه المرحلة تعد إفرازًا طبيعيًا للمراحل التي سبقتها من الإنكار ، والشعور بالذنب فيتكون لدى الفرد صورٌ سلبية متلاحقة ، وسريعة عمّا حصل معه ، فيكون مستثاراً لأي انفعال مهما صغر ، وتصدر منه نوبات غضب ، وحنق غير معتادة منه ، لكنها مؤقتة وتبدأ بالزوال تدريجيا مع عودة الفرد إلى حالته الطبيعية ، وفي هذه المرحلة أقترح على الفرد بالرياضة والمشي والصلاة والاستغفار ، أسميتها في الحركة بركة ، وقد صمّمنا لك في المنهج العملي في كتابي الصبر عند الصدمة الأولى ممارسات لتهدئة هذا الانفعال تجدها تجدها مفصلة في الكتاب ، والكتاب متوافر لدى جرير ومعظم مكتبات المملكة والخليج.

المرحلة الخامسة : مرحلة التقبّل :

وتتميز هذه المرحلة ببداية عودة الشخص  إلى وضعه الطبيعي ، وبداية تقبل القضاء والقدر ، واندماجه في الحياة الطبيعية ، وبداية زوال الحزن والضيق الذي أصابه من جرّاء الحدث  المؤلم.

المرحلة السادسة : الرجوع :

وهي العودة الحقيقية للفرد إلى حياته الاجتماعية ، وعلاقاته ، وعمله ، وبداية الخروج الحقيقي من نفق الأزمة التي مرت به وعصفت بكيانه.

المرحلة السابعة : التعلّم :

وأعدّها ثاني أخطر مرحلة بعد الشعور بتأنيب الضمير، وكثير من الناس لايصل إليها ، وهي تعني باختصار " ماذا تعلمتنا من الحدث الذي مرّ بنا؟" ماهي الدروس المستفادة التي يمكن أن تخرج بها؟ فتكون لديك خبرات مختزنة تستفيد منها في حياتك مستقبلا ، وكما قيل فإن دروس الحياة معادة ومكررة ، وينبغي علينا أن نتعلم ممّا حصل معنا حتى لانكون أسرى في كل مرة للشعور المؤلم والذي يقطعنا عن ممارسة أدوارنا في الحياة.

سؤال : هل يجب أن يمرّ الجميع بهذه المراحل كما هي ؟

الناس يتفاوتون في المرور على هذه المراحل ، و قدرتهم على التعامل مع الأخبار المؤلمة حين وقوعها ، وهذا التفاوت مرجعه الأساس إلى التربية الدينية التي تلقيناها ، والبرمجة البيئية التي عشناها ، فهناك أشخاص أقدر على الاحتساب والصبر من آخرين ، وهناك أشخاصٌ تربوا في بيئات إيجابية عودتهم على التحرك للبحث عن الحلول لا التصلب عند حصول التحدي ، وهدفنا أن نقفز بك في هذه المراحل من المرحلة الأولى : تلقي الخبر إلى المرحلة الخامسة : التقبل ، دون أن تمر بمرحلة الإنكار ، والشعور بالذنب ، والانفعال الشديد ، هدفنا معك أن تتعلم كيف تقلب المحنة إلى منحة والألم إلى أمل ، كيف تجعل الابتلاء تهذيباً وليس تعذيباً ، فالله لايبتلي ليعذب بل يبتلي ليهذب ، والتدريب والمران والاستمرار في التطبيق فترة البرنامج العملي يجعلك لائقاً نفسياً ، وذهنياً للتعامل مع أحداث الحياة قبل وقوعها        "تصورها كبروفة" ، أثناء وقوعها ، وبعد وقوعها فالعلم بالتعلم ، والحلم بالتحلم كما أخبر المعصوم عليه أفضل الصلاة والسلام ، كما ينبغي أن تصبر على تطبيق المنهج العملي الذي ذكرناه في كتابنا على الأقل ستة أشهر ، فالنتائج تثمر فقط مع التطبيق الجاد ، والعزيمة ، والصبر ، والإصرار على الوصول لهدفك بعون الله.

د.خالد محمد المدني
خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة
رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO
دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا
للتواصل مع الدكتور خالد المدني

 


الجمعة، 16 أكتوبر 2020

كنترول التحكم بيدك ..

                                          كنترول التحكم بيدك ..

                                 من مقالات الدكتور خالد محمد المدني




قدّمت نظرية الاختيار في علم النفس مفهومًا جذريًا أحدث نقلة نوعيّة في فهم في السلوك البشري وهو نقل الوعي من السيطرة الخارجية إلى السيطرة الداخلية من علم نفس المثير والإستجابة إلى علم نفس التحكم الداخلي كان علم النفس أسيرًا لسنوات عديدة لفكرة المثير والاستجابة لبافلوف  وسكنر وطلابهما ، والتي تنصّ على : أنّ استجاباتنا وما يحركنا والذي يدفعنا للسّلوك في الحياة هو مايحدث خارجنا أي في عالمنا الواقعي فنحن مخلوقات مبرمجة بمثير واستجابة ، فعلى سبيل المثال : أنت تردّ على الهاتف لأنه يرن ، وتتوقف عند الإشارة لأنها حمراء ولم يفكّر أحد لمجرد تفكير فقط أنّ الذي حدث هو أنّ هاتفه رن ولم يُجب عليه وتجاوز مرة الإشارة الحمراء لسبب رآه منطقيًا كإسعاف زوجته مثلًا ، هل فكّرنا في هذين السلوكين أنهما بسبب شيء داخلي لا خارجي فلو كان مايحدث في الواقع هو سبب استجاباتنا لكنّا مبرمجين للرد على الهاتف بكل الأحوال ، والوقوف عند الإشارة الحمراء دائمًا ، هل فكّرنا أنه ربما الذي جعلنا نقف عند الإشارة الحمراء هو شيء داخلي كالمحافظة على البقاء والذي يتمثّل بالسلامة من الحوادث وأن ماجعلنا لانرد على الهاتف هو عدم أهمية المتصل بالنسبة لنا فهو لا يُشبع أيًا من حاجاتناالأساسية الخمس "البقاء ، والحب والإنتماء ، والقوة ، والمتعة ، والحرية" كما يراها وليم جلاسر، أي لايوجد صورة ذهنية مُشبعةٌ لنا يمثّلها المتصل ، ماقدمته نظرية الاختيار هو أننا لسنا مخلوقات مبرمجة لا اختيار لها نحن لسنا ريشة في مهب الريح بل لنا اختيار ونستطيع اتخاذ القرار ، وأصبح من المفاهيم الرئيسية لدارسي النظرية أن : (أحداث العالم حولنا ما هي إلاّ معلومات قد تكون ذات تأثير علينا أو لا تكون ذات تأثير ، تُهمنا أو لا تُهمّنا) ، وبالتالي     أحداث الحياة تؤثر إن كانت مُهمّة لنا لكنها لا تتحكّم بنا لأن كنترول التحكم لدينا وليس لدى الآخرين ، هذه الفكرة أحدثت نقلة نوعية في تعليم الناس كيف يتحكمون بذواتهم

ما هي أهمية : أنّ كل مايأتينا من محيطنا مجرد معلومات؟ 

أي أنّ أحداث الحياة محايدة نحن من يعطي للحدث معناه ومحتواه ولونه وطعمه ورائحته ومذاقه ، فالولادة معلومة والوفاة كذلك معلومة ، الزواج معلومة والطلاق أيضًا معلومة ، الطلاق عند البعض راحة وحرية وانعتاق وعند البعض الآخر مصيبة وانهيار ، لكن الطلاق بحد ذاته مجرد حدث نحن من يعطيه المعنى ومايجعل أحداث الحياة مؤثرة علينا جدًا وربما تقودنا هو تفسيرنا لهذا الحدث أو ذاك ما الذي جعل شيخا لاسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ يرى السجن خلوة ، والنفي سياحة ، والقتلُ شهادة ؟ تفسيره الإيجابي للحدث إدراكه له ، لكنّ أعظم ماجاءت به نظرية الاختيار على يد مبتكرها د.وليم جلاسر استخدام التغذية الراجعة في العنصر البشري ، جلاسر نظر للإنسان على أنه نظام تحكّم يتكون من دماغ بشري يعطي الأوامر وكيان ينفذ من خلال السلوك وقارنه بالنظام في المصانع فيه مدخلات وعمليات ومخرجات فإن تحكّمت بالمدخلات تحكمت بالمخرجات وتحكمك بالمدخل يعني ضبط تفسيرك للأحداث من حولك.

د.خالد محمد المدني

خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة

رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO

دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا

للتواصل مع الدكتور خالد المدني

info@rosheta.net






السبت، 3 أكتوبر 2020

عقلك مُحايد فأنت من تختار مزاجاتك..

 

                                   من مقالات الدكتور خالد محمد المدني

                                   عقلك مُحايد فأنت من تختار مزاجاتك

عندما تستيقظ من نومك صباحًا ثق تمامًا أنّ عقلك مُحايد وعقلك مثلُ الشاشة فما تضعه فيه ستُشاهده فلا تضع في عقلك إلاّ مايُسعدك وينفعُك..السعادة والتعاسة مجرد فكرة .. وحياتنا نتاج أفكارنا..العقل يحتلّه الأسبق إليه هذه قاعدةٌ فكريّةٌ هامّة وواقعيّة فمن سبق إلى عقلك وأعطاك معلومات وقبلتها أنت حت


مًا ستكون تصرفاتك وفقًا للمعلومات التي قبلتها واقتنعت بها مالم يكن لديك الوعي لمراجعة كل مخزونك وتقييمه ولفظ الضار وإبقاء النافع ، مع ذاتك هناك مدخلات ، وهناك عمليات ومخرجات فإن قبلت شيئًا ضارًا فسيعالجه عقلك "عمليات" وسينعكس على سلوكياتك في الحياة "مخرجات" وإن قبلت شيئًا نافعًا سيحدث ذات الشيء مدخلات وعمليات ومخرجات ، لذلك تحكّم بالمدخل تتحكم بالمخرج وسلوكياتك نتاج أفكارك ، 
شبّه الإمام ابن القيّم ـ رحمه الله ـ العقل بالرحى التي تطحن الحبوب والرحى تظلّ في حالة عمل مُستمر لاتتوقف عن عملها فمن الناس من يضع في رحاه "عقله" حبًا وبعد أن تدور الرحى "يعمل العقل" وتطحن يجد دقيقًا يصنع منه خبزًا نافعًا ، ومن الناس من يضع في رحاه"عقله" تبنًا ورملًا وحصى وبعد أن تدور رحاه"يعمل عقله" يجد خليطًا من التبن والرمل والحصى ، الناس كذلك فالواعون يضعون أفكارًا نافعة في عقولهم فتعمل عقولهم "تطحن" فيجدون نتاج ذلك آخر يومهم سعادة ومتعةً ونظرة تقدير لإنجازاتهم لأنّ مافي عقولهم "رحاهم" أفكارًا صالحة ، والغافلون يضعون أفكارًا ضارّة في عقولهم فتعمل عقولهم "تطحن" وفي نهاية يومهم يجدون نتيجة طحنهم همًا وغمًا وتوترًا ونظرة دون لإنجازاتهم لأن مافي رحاهم "عقولهم" أفكارًا فاسدة.

د.خالد محمد المدني

خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة

رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO

دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا

للتواصل مع الدكتور خالد المدني

info@rosheta.net

الخميس، 18 يونيو 2020

لقاء الخميس مع الدكتور خالد محمد المدني وأفكارٌ بها نحيا ..

من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
نرحب بكم في لقاء هذا الخميس الونيس مع الدكتور خالد المدني وأفكارٌ بها نحيا ..
سيتحدث الدكتور خالد محمد المدني عن نقاط تهمّ كل فرد ..
عن الاختلال السلوكي الذي يصيب الأفراد بلا استثناء ..
هل القلق والحزن والكآبة والتوتر مشاعر طبيعية أم هي مؤشر مشكلة نفسية ؟
ماهي أعراض الاختلال السلوكي ؟
كيف نفهمه؟
ونتحكم به ؟
يوم الخميس 18 / 6 / 2020م ـ 26 / 10 / 1441هـ  الساعة 9:15  مساء عبر الزوم على الرابط التالي :
 https://us02web.zoom.us/j/461169075
كلمة المرور :
035654

الدكتور خالد محمد المدني
خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنية 
رئيس مجلس إدارة منظمة أوكسفورد للتدريب القيادي OLTO
دكتوراة الإدارة من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا
للتواصل مع الدكتور خالد محمد المدني
dr.kmadani@gmail>com

الأحد، 24 مايو 2020

العيد والحجز المنزلي


أكتب هذه التدوينة طازجة مع إعلان حلول عيد الفطر السعيد على جميع العالم يوم الأحد بإذن الله ، يُطلّ علينا عيدنا هذه السنة ليس ككلّ الأعياد ، هذا العيد له نكهة خاصّة ومذاق مُختلف البعض يتذوّقه مرًا والبعض الآخر اختار أن يجعل مذاقه حلوًا ولكلّ اختيارته ، هذا العيد يأتينا والعالم كلّه بلا استثناء في حالة حجر منزليّ بسبب فيروس كورونا الذي أوقف العالم واستفزّه ليكون صفًا واحدًا للتصدّي له حماية لأرواح الملايين الذين يعيشون على كوكب الأرض ، أنا شخصيًا اخترت لحالة الحجر المنزلي ثلاث مسميات الأولى :  التمتّع الأسري ، والثانية : الإقامة الممتعة ، والثالثة : استراحة مُحارب لأنني أؤمن أنّ ماتشكّله في عقلك ستراه واقعًا في عالمك ، فتفسيرك يُحدد مصيرك ، ولا يعنيني إن كان يوافقني الآخرون على هذه التسمية أم لا ، المهم أن أعيش أنا هذه الحالة الداخليّة فالشيء الوحيد الذي يمكنك التحكّم به هو عقلك وسلوكك ، تمتّعوا إخواني وأخواتي في عيدكم فالمشاعر الجميلة في داخل نفسك وليس في خارجها ، شكّل عقلك من الداخل لتراه في الخارج ، عوّد نفسك أن تستمتع بلحظاتك حتى ولو كنت وحدك ، لا تربط متعتك بشيء خارجي ، وجدت أنّ السعداء لديهم ممارستين رائعتين تجعلهم سعداء الأولى: أنهم يستمتعون بالموجود ولا يتحسرون على المفقود ، والثانية : دائمًا لديهم تفكير الوفرة ، وليس تفكير الندرة ، السعداء يعتقدون أنّ كل مايريدونه موجود حولهم وفي عالمهم ، كيف استطاع أن يرى شيخ الاسلام ابن تيمية السجن خلوة ، والنفي سياحة ، والقتل شهادة ، شكّل عالمه الداخلي فرآه حقيقة خارجيّة ، لا اُخفيكم سرًا أنني حتى الآن بفضل الله لم أشعر بما يسمّونه الحجر المنزلي ، فيومي مُمتع منذ أن أستيقظ إلى أن أنام السرّ الذي أدركته في ذلك هو غاية في البساطة : متعتك الحقيقية في أن يكون لك غايات ترسمها ، وإمكانات تستثمرها ، وإنجازات تُحصيها ، ولذا عندما تستيقظ صباحًا إلى أن تنام وأنت في حالة عمل وإنتاج وإنجاز كالنحلة تمامًا أو كالنملة في سعيها الحثيث ، ما أختلف عليّ المكان ، أتواصل مع أصدقائي ومع الناس عبر تويتر أو الفيس بوك أو من خلال هذه التدوينة التي أكتبها الآن لكم وأتخيلكم تتحاورون معي وتتناقشون وتتفاعلون فتقبلون أفكار وترفضون أخرى ، أو عن طريق الزوم اُقدّم محاضرة أسبوعيّة صوتًا وصورة ، العالم كله بين أيدينا بضغطة زر إننا نتقلّب من النعم .
في يوم عيدكم افرحوا كما كنتم تفرحون كل سنة ، اعملوا مع العائلة برنامجًا للعيد منذ أن تستيقظوا إلى أن تناموا ، مارسوا السعادة عمليًا ، البس ثياب العيد ودعهم يفعلون ذلك ، سلّم على أبنائك وبناتك وأمّ عيالك ، عيّدهم كما كنت تعيدهم كل سنة ، افطر سويًا معهم ، تواصل معهم مع أقربائك عبر الاتصال المرئي وكأنكم سويًا ، تحدثوا، اضحكوا ، امرحوا ، ، استمتعوا سويًا ، شاهدوا مسرحية فكاهية ، ابدعو في الطعام حطّموا في هذه الأيام الروتين ، فالله جعل لنا في عقولنا نظامًا إبداعيًا يستطيع أن يبتكر ويبدع بل يُنشأ لك أفضل الممارسات السلوكية في أحلك الحالات والظروف وأحرجها ، عقلك مُحايد ماتضعه فيه تراه ، والعقل يحتله الأسبق إليه فلا تجعل عقلك محتل إلاّ من الأفكار الإبداعية والممارسات الإيجابية التي تنفعك وترفعك أنت وأسرتك ،، عيدٌ جديد يُطلّ علينا مكافأة من الله لنا على مابذلناه خلال شهرنا ، أوقف عبارات اللوم والتقصير والتي تُشعرك أنك لم تستثمر رمضان على أكمل وجه ، لا بل والله استثمرناه صمنا ، وصلينا ، ودعونا ، وقرءنا كتاب ربنا ، وتصدقنا ، كل هذه إنجازات استمتع بها واستشعرها لتبدأ شهرًا جديدًا وفريدًا فيه الخير كله ، ستزول الأزمة بإذن الله وستعود الأيام التي تعودنا عليها ، المهم أن تكون قد تعلمت من فترة الإقامة المنزلية تعلمًا يجعلك تستثمره بعد زوال الحجر ، وثق أنّ كل مُر سيمر ، أصلًا لا تنظر له على أنه مر بل انظر إليه أنها فرصة واستثمار تبني عليها بعد ذلك اختيار وقرار للطريقة التي تريد أن تكون حياتك عليها بمشيئة الله ..
كل عام وأنتم سُعداء وبغاياتكم أثرياء ، وبإنجازاتكم عُظماء 
وكل عام وأنتم بخير ..

الجمعة، 10 أبريل 2020

خماسية التمتع بالحياة/ الدكتور خالد بن محمد المدني



من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
خماسية التمتع بالحياة


سأتحدث في هذه التدوينة بمشيئة الله عن خمس ممارسات للتمتع بالحياة، وخمس ممارسات للشقاء، هذه الممارسات الخمس من التزمها كفيلةٌ بإسعاده وإمتاعه، هذه الممارسات الخمس هي في الحقيقة برامج عقليّة مثبتة في عقولنا، نسستخدمها بشكل يومي، إذن ما الذي يجعل منها ممارسات للتمتع بالحياة، وممارسات للشقاء؟
قبل أن أُجيب عن هذا السؤال دعونا نتحدث عن ممارسات السعادة ونقيضها :
أول ممارسة من ممارسات السعادة : الاستمتاع بالموجود وضدّها من ممارسات الشقاء التحسّر على المفقود، هذين برنامجين مثبتين في العقل ولذا نجد أنّ السعداء يركزون دائمًا وأبدًا يستمتعون بالموجود ولذلك هم يعددون نعم الله عليهم بالتفصيل يعددون نعم الله الممنوحة قبل المكسوبة ، كالحواس الخمس، والعقل، والقدمين والرجلين كلها نعم ممنوحة، بينما الأشقياء فهم دائمو التحسّر على المفقود ولذلك هم في حالة هم، وغم، وتوتر، وقلق دائم، وليس معنى ذلك أنّ السعيد لايخطط لإيجاد المفقود لا بل هو دائم السعي هو يطمح ولا يقنع لكنه لايتلف ذاته قلقًا وتوترًا على المفقود يخطط له ويستمتع بطريق الرحلة كما يستمتع بمحطة الوصول.
ثاني ممارسة من ممارسات السعادة : ذكر الحسنات والإيجابيات وضدّها من ممارسات الشقاء ذكر الذنوب والعيوب، وهما أيصًا برنامجين مثبتين في العقل،  السعداء دائمو التركيز على حسناتهم وإيجابياتهم فإن أذنبوا بادروا بالتوبة عملًا بقول الحق (إنّ الحسنات يُذهبن السيئات) فهم يفعلون ولا ينفعلون، السعداء لايقطعون أنفسهم حسرات وزفرات على الذنوب بل يبادرون بالتوبة، وإن عادوا للذنب عادوا للتوبة ( لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولأتى بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم) ، السعداء كذلك لايذكرون سلبياتهم بل يعددون إيجابياتهم فإن أخطأوا صلحوا خطأهم هم يملكون عيني نحلة لا عيني الذبابة فالذبابة لاتقع إلاّ على الجروح ولا تخرج إلاّ القروح، والنحلة لاتقع إلاّ على الزهور ولا تخرج إلاّ عسلًا طيبًا، أمّا التعساء فدائمو التركيز على ذنوبهم، وعيوبهم، دائمو لوم الذات وتقريعها وجلدها وتأنيبها.
ثالث ممارسة من ممارسات السعادة الانشغال بالذّات وضدّها من ممارسات الشقاء الإنشغال بالآخر، هذين أيضًا برنامجين مثبتين في العقل، السعداء دائمو التركيز على ذواتهم فهم لاينشغلون بالآخرين نقدًا وتقييمًا، بل ينشغلون بذواتهم وعيًا وتطويرًا وتجميلًا لأنهم يعتقدون أنّ ذواتهم مختلفة عن ذوات الآخرين من حيث الغايات، والإمكانات، والقدرات، والمهارات، أمّا التعساء فهم دائمو الانشغال بالآخر، ولذلك هم في حال حزن مستمر لأنّ محور اهتمامهم الآخر فإن حقق الآخر نجاحًا تألموا، وإن حقق الآخر تقدمًا اكتئبوا وهذا من قلة وعيهم بذواتهم وحقيقتهم.
رابع ممارسة من ممارسات السعداء اسقاط الأغيار من الإعتبار وضدّها من ممارسات الأشقياء المقارنة بالآخرين، وهما أيضًا برنامجين مثبتين بالعقل، ومعنى إسقاط الأغيار من الإعتبار، والأغيار جمع غير والغير هو الآخر، والمقصود أنّ السعداء لايقارنون ذواتهم بأحد صغر أم كبر هذا الأحد، فهم يسقطون أفعل التفضيل فهم متفردين وليسوا متميزين، التميز معناه أنّ هناك من أُقارن به، والتفرد معناه أنني لاشبيه لي ولا مثيل، فهم يقارنون أنفسهم بأنفسهم يقارن ذاته بذاته وليس بالآخرين، أما التعساء فهم دائموا المقارنة بالآخرين ولذلك هم دائمو الهم والغم والحزن.
خامس ممارسة من ممارسات السعداء التفكير باللحظة والتخطيط للمستقبل وضدّها التفكير بالماضي واجتراراه ، وهذا خامس برنامج مثبت في العقل، السعداء دائمو التفكير بلحظتهم والتخطيط لمستقبلهم، الماضي لايشدهم ولا يسحبهم وإذا أرادوا استرجاعه فهم يسترجعونه في حالتين فقط : الأولى التعلم منه وليس التألم، والثاني : استحضار ذكرياته السعيدة فقط، أمّا التعساء فهم دائمو التفكير والانشغال الماضي يجترون الماضي ويحزنون عليه، ولو علم هؤلاء أنّ الماضي ولّى وانقضى ولن يعود والحفر فيه لن يزيدهم إلاّ ألمًا ، والانشغال به لن يغيره ولن يبدله، تعلم كيف تتعامل مع ماضيك بالتعلم منه لا التحسر عليه ، وباسترجاع ذكرياته الجميلة فقط ، فأن جاءتك ذكرى مؤلمة تعامل معها كمساحات السيارات فمساحات السيارات نستخدمها لتنظيف الزجاج، أو في حالة المطر الشديد أو الخفيف، مساحات الذّات كذلك، ركب مساحات للذّات، ومساحات الذات كمساحات السيارات نستخدمها إذا احتجنا إليها فإن هطلت على عقلك ذكريات مؤلمة سريعة كالمطر الغزير فأطلق مساحات الذات بأعلى سرعتها وقل لها نظفي عقلي من هذه الذكريات شتتيها، وإن كان مطر الذكريات هادئًا هتّان فقل لعقلك ياعقلي شغل مساحاتي بهدوء لتشتيت الفكرة.
نجيب الآن على السؤال الذي طرحناه أول المقالة : ما الذي يجعل السعداء يستخدمون البرنامج بطريقته الصحيحة، وما الذي يجعل التعساء يستخدمونه بطريقته الخاطئة ؟
إنه الوعي والبرمجة البيئية فالسعداء واعون ولذلك يستخدمون ماينفعهم لا ما يرهم، أما التعساء فهم أقلّ وعيًا ولذا يستخدموم مايضرهم، والأمر الثاني: البرمجة البيئية، فالسعداء يقاومون البرمجة السلبية ويفحصونها، أمّا التعساء فهم يستخدموم ماتبرمجوا عليه ولذلك هم يستخدمون برمجة بيئية دون وعي ولا تمحيص.

د.خالد محمد المدني

خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة

رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO

دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا

للتواصل مع الدكتور خالد المدني

ch@olto.org




السبت، 28 مارس 2020

فيروس كورونا والحجر المنزلي/ د.خالد بن محمد المدني

من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
فيروس كورونا والحجر المنزلي



فاجأ فيروس كورونا العالم كلّه ابتداء من الصين وانتهاء بكلّ دول العالم بلا استثناء إلاّ بعض الدول في أفريقيا، هذا الفيروس الذي قاد حربًا غير متوقعة على الأفراد والدول مهددًا صحّة الأفراد واقتصاديات الدول، هرعت على أثره الدول بأخذ التدابير والاحتياطات لحماية الأفراد من خطر هذا  الفيروس، فالدول الواعية جعلت اهتمامها الإنسان أولًا كدولتنا حفظها الله ورعاها، وكان خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله واضحًا جليًا في جعل صحّة المواطن وأمانه البيئيّ على قائمة أولويات قيادة هذا الوطن مقدمًا حتّى على الاقتصاد، ودول أقلّ وعيًا جعلت الاقتصاد أولًا للأسف الشديد والإنسان ثانيًا، شرّعت بعدها الدّول بناء من هذا المنطلق الاقتصاد أو الإنسان في وضع إجراءات للحدّ من انتشار هذا الفيروس، ومن هذه التشريعات الحجر المنزليّ، وحظر التجوال في ساعات محدّدة من اليوم للقضاء على خطر هذا الفيروس، في هذه التدوينة سأتحدّث عن خطوات لحماية الذّات من خطر هذا الفيروس جسديًا ثمّ نفسيًا لأنّ الخطر النفسيّ من فيروس كورونا لايقلّ عن خطره الجسديّ، وسأُحدّد تدوينتي في خطوات :
 أولًا : كورونا مرض، والمرض حدثٌ خارجيّ يمسّ عنصرًا من عناصر السلوك الأربعة وهو العنصر الجسدي لأنّ السلوك يتكون من أربعة عناصر مجتمعة غير متفرّقة هي: العنصر العقلي، والانفعاليّ والحركيّ والجسديّ، إذن المرض حدث خارجي مسّ العنصر الجسديّ وهو حصل في العالم الخارجي، والذي جزء منه العالم المدرك بالنسبة لي ولك وللآخر ولجميع الناس فلكلّ شخص عالمه الذي يدركه ويرى العالم من خلاله وهو يختلف عن عالمي وعالمك وعالم بقية الناس وعنى ذلك أنّ لكلّ شخص واقعه الذي يدركه من خلال نظام المعلومات ونظام القيم لديه، هذا المرض الذي حصل في العالم الخارجي أنقص لدينا الحاجة للبقاء وهي الحاجة الجسديّة من ضمن الحاجات الخمس لوليم جلاسر مؤسس نظرية الاختيار في علم النفس، وسبب نقص هذه الحاجة هو أنّ هدف الحاجة للبقاء هي الحفاظ على الكيان "الذّات"، والمرض حدثٌ وقع في العالم الخارجيّ هدّد الحياة التي هي "صورة الذهنية" إذن التوقع هو"الحياة"، والواقع "فيروس كورونا" الذي يهدّد الحياة وحسب الفجوة بين التوقع والواقع يكون الاختلال ، فإن كانت الفجوة كبيرة كان الاختلال شديدًا ، وإن كانت الفجوة بسيطة كان الاختلال خفيفًا، وسأوضّح أثر هذه الفجوة على سلوك الفرد الكلّي في التعامل مع حدث فيروس كورونا، نُشير إلى أنّ أيّ شيء يحدث في العالم الخارجي هو حدث وهو مُحايد ليس موجّه لي ولا لك، فالنجاح حدث، والرسوب حدث، والزواج حدث، والطلاق حدث، والولادة حدث، والوفاة كذلك حدث، وفيروس كورونا حدث هو ليس ابتلاء أو اختبار هو قدر الله يجري على العباد والبلاد، مايتحكّم في رؤيتنا للحدث هو إدراكنا وتفسيرنا له، وسنشرح هذه النقطة في مكانها بالتفصيل.
ثانيًا: الحجر المنزلي هو سلوك فعّال سلكناه لكي نُشبع لدينا الحاجة للبقاء هكذا ينبغي أن نفهم هذا السلوك، وهذا الفهم يعطينا معنى عميقًا أنّ القضيّة داخليّة هي نقص حاجة وعلاجها يبدأ من الداخل باختيار الصورة الذهنيّة وهي الحياة ثم تنفيذها في العالم الخارجي بالسّلوك الفعال وهو الإقامة المنزليّة ، هذا السلوك الذي فعلناه كلنا منبثق من صورة ذهنيّة أشبعت الحاجة للبقاء وقلّل الفجوة بين العالمين الداخلي والخارجي التوقع والواقع وقلنا فعّالًا لأنه حقق الصورة الذهنيّة حتى الآن وهي "الحياة".
ثالثًا : لاحظوا أنّنا كلّنا بوعينا أشبعنا البقاء وفي نفس اللحظة حصل لدينا  نقص في الحاجات النفسيّة الأربعة وهي الإنتماء، والقوة، والترويح، والحرية، ومع أنّ هذه الحاجات الأربع فيها نقصٌ واضح جليّ بيّن لنا إلاّ أنّنا إلى حد كبير متوازنين، لماذا ؟ لأننا بوعينا قررنا تقبل النقص في هذه الحاجات الأربع وإدارتها بوعي لأن الأولوية الآن لإشباع الحاجة للبقاء بالمحافظة على حياتنا وحياة من حولنا، لأنّ هدف الحاجة للبقاء هو المحافظة على الكيان من الفناء.
ـ أين تكمن المشكلة في ذلك ؟
المشكلة ستكون في حالة استمرار فترة الحجر المنزلي، سيزيد النقص في الحاجات الأربع أكثر خاصة عندما نُشبع الحاجة للبقاء أكثر، ويقلّ خطر الفيروس تدريجيًا في العالم الخارجي هنا لابدّ من تطوير سلوكياتنا حتى نستطيع إدارة نقص الحاجات الأربع، بل نتجاوز ذلك إلى الإبداع بابتكار صور ذهنيّة مشبعة للحاجات، الفكرة الأساسية التي أحببت إيصالها من خلال هذا المقال أننا الآن كلنا نعمل على إشباع البقاء بحماية الذات مع وعينا بأنّ بقية الحاجات فيها نقص، ونحن متقبلين لهذا النقص بل ولدينا إدارة جيدة له بوعي تام، ويُشبعه كلٌّ بطريقته أي بصوره الذهنية فما يُشبع حاجاتنا موجود حولنا، حتى وإن  طالت فترة الحجر فالواعي يربط متعته بذاته، لكنّ الناس الأقلّ وعيًا ربما يدخلون بدورات من الاختلال لأنه ربط إشباع حاجاته  بالآخرين لأنّ لديهم تحكّم خارجي لا داخليّ، تستطيع ممارسة حياتك من منزلك بأفكار تنفذها من المنزل، وسنتحدث عنهاـ
نُشاهد ونسمع كلّ يوم مقاطع تنتشر عبر تويتر أو الفيس بوك أو حتى في قروبات الواتس أب باثّة صورًا مجتمعيّة سلبيّة عن فيروس كورونا ومنها أنّ الجلوس في المنزل يعتبر حجرًا ، هذه الصورة الذهنية تُرديك وتضرّك بل الجلوس في البيت تمتّع، وعندما شرّعت الدول كافّة ومنها دولتنا الحبيبة إجراءات احترازيّة لحصار هذا الفيروس والقضاء عليه ومنها الحجر المنزلي، وعدم الخروج إلاّ للضرورة القصوى، كان هدفه حماية الأرواح، فالاجتهادات الفردية هنا مضرّة وتُخلّف وراءها الكثير من الأضرار، والواعي هو من يلتزم بما يُصدره المسؤولون يوميًا من تعليمات وعدم الالتفات إلى الأصوات النشاز.
ـلكلّ حدث قراءتان كما أنّ لكل عملة وجهان : بل إنني أعتقد أنّ لكل حدث أكثر من قراءة ، والواعي هو الذي يختار الوجه الذي ينفعه ويرفعه والوجه الذي ينفعني شخصيًا في أزمة التعامل مع فيروس كورونا هو أنّ الجلوس في البيت متعة وسعادة، صورة الحجر المنزلي تضرّني، تُعيقني   بدّلتها من حجر إلى تمتع، تعلّم أن تربط متعتك بذاتك وليس بأسباب خارجية الذين تعودوا على استثمار أوقاتهم وحياتهم لا يرتبطون بالمكان بل بالغايات فحيثما كانوا هم متمتعين لأن لديهم غايات يعملون عليها وإنجازات كل يوم يحققونها حتى لو لم يغادروا منازلهم، المستثمرون لأوقاتهم الآن يشعرون بمتعة فهم يمارسون أعمالهم، يدرّبون يحاضرون من منازلهم لأنّ عوّدوا أنفسهم على ذلك منذ سنين .
ـتفسيرك يحدد مصيرك :
إن فسّرت الجلوس في البيت حجرًا فستشقى بتفسيرك وإن فسّرت فيروس كورونا وباء سيقضي على البشرية فستموت من الخوف لا من كورونا، التفاؤل من الرحمن والتشاؤم من الشيطان، إن اعتقدت أنّ الأمراض سبب للموت فسيكون قيدًا في عقلك يمنعك من التمتع بحياتك وستقضي أيامك ولياليك مرعوبًا ولن تستمتع بلحظاتك، وإن وضعت في عقلك أنّ الموت ليس له سبب، إلاّ سبب واحد هو اكتمال العمر كما أخبر المعصوم عليه الصلاة والسلام (لن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها وأجلها) فستعيش متمتعًا بحياتك، وهذا لايعني طبعًا أن لا تُداري جسدك وأن تطلب العلاج إن تطلّب الأمر ذلك قال عليه الصلاة والسلام (تداوو عباد الله فما أنزل الله من داء إلاّ وأنزل معه دواء علمه من علمه وجهله من جهله)، ومن ذلك الاتقاء من فيروس كورونا، المعنى الذي تضعه في عقلك سيحدد مصير أيامك المقبلة فإن رأيت الجلوس في البيت حجرًا سيكون لك سجنًا يشكل قيدًا في عقلك وستصبح سجينًا في داخلك فقط وليس في العالم الخارجي، غيّر صورتك العقلية من حجر إلى متعة منزلية، كيف رأى شيخ الإسلام ابن تيمية السجن خلوة فكتب فتاواه فيه سبعة وثلاثون مجلدًا، وكيف رأى النفي سياحة بل ارتقى بوعيه وزاد فقال أنا بستاني في صدري أينما ذهبت فهو معي غير عالمه الداخلي فتمتع وسعد بعالمه الخارجي، تذكّر أنّ توقعك واقعك، ماتشكله في عقلك سوف تراه.
ـتمتّع بالموجود ولا تتحسّر على المفقود :
من أهم أسباب السعادة التمتّع بالموجود، ومن أسباب الشقاء التحسّر على المفقود،  ماهو الموجود لدينا الآن، أهم الموجودات هي ذاتك، صحّتك، عقلك، حواسك، زوجتك وأبناؤك حولك، بيتك، مالك، الموجودات حولنا كثيرة كثيرة جدًا، وماهو المفقود ؟ الجولات الخارجيّة فقط، الواعي هو من يتمتع بالموجود، ولا يتحسّر على المفقود، الذي يجعلك في هذه الفترة تبني بيئة أُسريّة ممتعة في داخل حدود منزلك التمتع بالموجود، ولقد طوّرت أنا وأُسرتي قائمة من المهام المنزلية لأستمتع معهم في البيئة المنزلية أذكر بعضها من باب مشاركتها معكم ، وأنا متأكد أنّ لديكم قائمة تطول من مهام الاستمتاع :
 ـقمت بعمل جلسات أسرية خفيفة من 20 ـ 30 دقيقة مرتين في الأسبوع نتحاور نتلاطف نتسامر، أنا شخصيًا أُمارس هذه الجلسات منذ سنوات ولها أثر كبير على ترابط وتآلف عائلتي
ـقرّرت أنا وأبنائي وبناتي أن نُعطي إجازة لزوجتي وهم يعطون إجازة لأمهم وبدأت شخصيًا أتعلّم فنون الطبخ، فمقاطع اليوتيوب لاتنتهي، وصفحات الطبخات في قوقل تطول، وكلّ يوم الدورعلى واحد منّا، واتفقنا أن يكون غذاؤنا صحّي، أنا شخصيًا جربت ذلك وتمتعت به
ـقرّرنا أن نعمل زاوية في المنزل نخصّصها للصلاة كمصلى مصغّر نصلي فيه جماعة مع بعضنا البعض نعوّض فيها روحانية المسجد
ـاتفقنا على عمل حلقة قرآن يوميًا لمدة ثلاثون دقيقة نراجع فيه حفظنا وأحكام التجويد.
ـاتفقنا على صيام يوم في الأسبوع وهو يوم الخميس نشترك كلنا في برنامج روحانيّ إيمانيّ ونحضّر الإفطار معًا.
ـوجدنا أنّ البقاء في المنزل فرصة نُخطط فيها لحياتنا، ونراجع غاياتنا أنا شخصيًا قرّرت أن أعمل لأسرتي دورة في التخطيط لأُكسبهم مهارات التخطيط للحياة
نحن في أكبر نعمة، العالم كله بين أيدينا بضغطة زر تتجوّل في هذا العالم عبر تويتر أو على الفيس بوك أو التلفاز تنتقي وتُشاهد ماتشاء من العالم، تستطيع أن تغرّد على تويتر أو تنشر بوستًا على الفيس بوك أو تنزل مقطعًا مصورًا فيديو في اليوتيوب (وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها).

د.خالد محمد المدني

خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة

رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO

دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا

للتواصل مع الدكتور خالد المدني

ch@olto.org