الخميس، 28 يونيو 2018

هل السخرية صورة من صور النقد؟ (2) / د.خالد بن محمد المدني / د.خالد بن محمد المدني


من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
هل السخرية صورة من صور النقد؟


تحدثت في التدوينة السابقة عن السخرية وهل هي صورة من صور النقد؟ وذكرت صورتين لممارسة النقد الأولى: السخرية والاستهزاء، والثانية: المقارنات المبالغ فيها، والتي سأتحدث عنها في هذه التدوينة بمشيئة الله.
كثيرٌ من الآباء والأمهات، الأزواج والزوجات يمارسون المقارنات بين أبنائهم أو الأزواج يمارسونه بينهم وبين بعضهم البعض، فهو يريدها نسخة من أمّه، وهي تريده نسخة من والدها لأنّها تراه ملهماً، والأبّ يريد من ابنه أن يكون مثل ابن أخيه، والأمّ تريد من أبنائها أن يكونوا مثل بنات أختها أو أخيها، والمشكلة أنهم يضعونهم في مقارنات مبالغٌ فيها، لماذا يامحمّد لاتحصل على درجة 99% مثل أحمد ابن خالك، لماذا لاتدخل كليّة الطبّ مثل صالح ابن عمّك، وهي تقول لماذا لاتكوني مهندسة مثل سارة بنت أختي، والمشكلة أنهم يحاسبونهم على هذه التوقعات، لن يكون مثل أحمد ولا صالح، ولن تكون مثل سارة ولا فيروز لن يكون ولن تكون إلاّ ذاتها، لأنه لايشبهه ولا يشبهها أحدٌ في هذا الوجود، هو وهي بصمةٌ فريدة، المقارنات المبالغ فيها صورة من صور النقد المدمّرة للذّات، اكتشف إمكانات ابنك وابنتك، ووجههما لما يصلح لهما لا لغيرهما، لاتحاول أن تحقّق أهدافك التي لم تستطع تحقيقها فيهم فلكلّ فردٌ إمكاناته وله غاياته، وله هواياته وتفضيلاته، كثيرٌ من الآباء والأمهات خسروا أبنائهم وكانوا سبباً في إفشالهم بالمقارنات وإجبارهم على تخصّصات معينة ثمّ ماذا كانت النتيجة لم يكملوا دراستهم لأنهم لم يختاروا رغباتهم، عندما تصادر من ابنك اختياراته فأنت تُصادر هواءه وماءه وحياته، دعهم يقرّروا مايريدون بتوجيههم لما يريدون بالحوار والتفاهم ومساعدتهم على تقليب صورهم الذهنيّة ليعرفوا ماينفعهم ويرفعهم، ويبتعدوا عن مايضرّهم ويخفضهم، توقّف فوراً عن مقارنتهم بغيرهم، يراجعني باستمرار آباء وأمهات في مكتبي الإستشاري وهم يشتكون فشل أبنائهم وبناتهم الجامعيّ فعندما أفحص كيف تمّ ذلك؟ أجد أنّ معظمهم إن لم يكن كلّهم أجبروهم على تخصّصات لايرغبونها تارة بادّعاء أنّهم يفهمون مصلحتهم أكثر منهم وتارة بأنّ هذا التخصّص هو ضمانة المستقبل، وأكتشف بعد ذلك أنّهم أرادوا تحقيق ذواتهم بأبنائهم فكانت النتيجة أنهم قضوا على مستقبلهم، من أراد لأبنائه وبناته نجاحاً في حياتهم، وسعادة في قابل أيّامهم فلا يضعهم موضع مقارنات مع الآخرين لايقارنونهم بأنفسهم ولا بأقرانهم، أؤكّد أنّ النقد هو سلوك نفعله عندما لايكون هناك تطابق بين مانريده من الآخرين وما نجدهم فعلاً عليه.
انتهى ..
د.خالد محمد المدني
خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة
رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO.
دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا
للتواصل مع الدكتور خالد المدني
 هدافهم التي لم تستطع تحقيقهاأه

الخميس، 21 يونيو 2018

هل السخرية صورة من صور النقد؟ (1) / الدكتور خالد المدني


من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
 هل السخرية صورة من صور النقد؟

 

النقد هو أسوأ سلوك يمكن أن يمارسه طرف تجاه طرف الآخر، زوجاً كان أم صديقاً، لأنّ النقد يحمل في طياته رسالة احتقار وازدراء، أيّ علاقة جيدة وناجحة غلافها الاحترام، والاهتمام، والغايات المشتركة، معظم الأفراد، الأسر تغرق في النقد فإذا أضفت له انخفاض وعيهم  بقدر التدمير الذي يحدثه النقد في تكيّف علاقاتهم مع بعضهم البعض، لا أبالغ إن قلت أنّ النقد له قدرة تدميرية هائلة في إفشال أي علاقة ناشئة تطمح لتكون ناجحة،  والنقد يأخذ شكلين رئيسيين في الغالب:
الأوّل: الإستهزاء والسخريّة
الثاني: المقارنة المبالغ فيها
وسأقتصر في هذه التدوينة على الحديث عن الشكل الأوّل، طوّر الناس في حياتهم عبر السنين طرقاً وأساليب للحطّ من شأن بعضهم البعض ولانحتاج لدليل لإثبات ذلك فقط خذ جولة في وسائل التواصل الإجتماعي لترى وتعرف مقدار الكمّ من السخرية والإستهزاء الذي يمارسه الكثيرون في حقّ بعضهم البعض بحجة المزح وتخفيف الهموم، ابتداء من نكت تخرج للحطّ من الزوجين فنكت متخصّصة في الاستهزاء بالمرأة، وأخرى للإستهزاء بالرجل، ونكت ثالثة للحطّ من الشعوب، نكتٌ للسخرية من هذا الشعب أو ذاك الشعب ولا يعلم صانع النكتة، وقارئها، وناشرها أنّ النكت أسوأ مستوى ممكن أن يُمارس من النقد لأنه يصنع صورةً ذهنية عن الزوج في عقل المرأة، وعن المرأة في عقل الرجل فتصبح صورة المرأة في عقل الرجل  قليلة عقل ضعيفة تدبير لاتعرف الرومانسيّة، وتصبح صورة الرجل في عقل المرأة دقة قديمة، الرومانسية في واد وهو في واد ومع ترسيخ النكت هذه الصورة النمطيّة تتحوّل إلى صور موجودة في العالم الخارجي يتعامل معها الرجال والنساء كأنها حقيقة، أضف إلى ذلك عندما يتحوّل الإستهزاء والسخرية في أشدّ صوره وهي النكت إلى الشعوب فتصبح صورة شعب بأكمله أمام شعبٌ آخر بأنه غبيّ بل في داخل الشعب الواحد يطلقون استهزاءً على منطقة بعينها بأنهم متخلفون أو أغبياء وكلّ ذلك يسمّونه "طقطقة" وهو يحمل في طياته أعلى درجات النقد وهو الحطّ من شأن الآخرين ، لقد نبّه القرآن الكريم لذلك لما له من أثر سيء على علاقات الأفراد والشعوب والأمم من بعضهم لبعض: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ ـ الحجرات:11 ، جعل الله السخرية والتنابز فسق وهو نقيض الإيمان، والسّخرية صورة من صور النقد اللّاذع وللأسف هذه الممارسات التي نهى عنها القرآن سائدة في أيامنا هذه ولم ينه عنها الله إلاّ لأثرها المؤذي على النفوس، فتجعل العلاقة فاشلة بل تجعل الأطراف في حالة عداء متشنّج، حقّق برنامج
the bickers ans الذي تناول قصة زوجين يتجادلان ويوجهان انتقادات لاذعة لبعضهما البعض نجاحاً باهراً في الإذاعة زمن الثلاثينات، وجنى دون ربكيك الكوميدي الشهير في وقته الكثير من الأموال من خلال توجيه النقد للشخصيات الشهيرة التي لايمكنها الدفاع عن نفسها والتي يراها نتيجة لأعمالها مادة للنقد في العرض الساخر الخاص به، النقد أكثر بكثير من ممّا نقوله إنه يحمل نظرة لبعضنا البعض بازدراء أو حتى كراهية لأكثر مانقوم به من أعمال، طريقة أخرى للنقد يمارسها الكثير دون أن يشعروا وهي التوقف عن الكلام أو الإنصات، فعندما نتوقف عن الكلام أو الإنصات فإننا نخبر الآخرين أنهم ليست لهم قيمة في حياتنا.
نحن لانكتفي فقط في ممارسة النقد لبعضنا البعض بل نغلّفه بفضائل السلوك فنطلق عليه نقدًا بنّاءً، النقد هو النقد بنّاء كان أم هدّامًا، إنّ مايشكل لك نقداً بنّاءً غالباً مايشكّل للآخر نوع من الحطّ من قدره، النقد نمارسه لأننا بحاجة دائمة لممارسة السلطة على الطرف الآخر وأبسط صورة لذلك هو النقد، معظمنا دفع ثمناً غالياً في العلاقات الفاشلة لأننا دومًا نخبر الآخرين أنّ من الأفضل لهم التصرّف بالطريقة التي نرسمها لهم في عوالمنا الخاصّة، بدل أن توجّه سلطته بمحاولة السيطرة على الآخرين بنقدهم وجهها لذاتك لإنجازاتك في حياتك.
يتبع ..
د.خالد محمد المدني
خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة
رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO.
دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا
للتواصل مع الدكتور خالد المدني

الجمعة، 15 يونيو 2018

مزاجك في عيدك أنت من يحدده / د.خالد بن محمد المدني


من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
مزاجك في عيدك أنت من يحدده
في هذا اليوم يطلّ علينا عيد الفطر السعيد بعد أن قضينا شهراً من الصيام بالنسبة لنا المسلمين كان محطّة تزوّد تغذينا بقية الأشهر الإحدى عشر، صمنا، وقمنا، وقرأنا كتاب ربنا، تهجّدنا للخالق رفعنا أكفّنا دعوناه بقلوب مخبتة أن يتقبل منّا الصيام والقيام، واليوم يأتي العيد وهو فرحتنا بإنجازات حقيقية حققناها خلال هذا الشهر المبارك فلنا أن نفرح بها، ونسعد بإنجازاتنا.
لانقول في عيدنا كما قال المتنبي:
عيدٌ بأية حالِ عُدت ياعيدُ
لما مضى بل لأمرٍ منك تجديدُ
بل نقولُ أهلاً بك أيها العيد، سنفرح بأيامك، سنسعد بلياليك، سنمتّع زوجاتنا وأبنائنا بك لأنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام فعل ذلك وسنقتدي به ولأننا نكافيء أنفسنا على ماأنجزناه في شهر الصيام، ولا يعني ذلك أن لانستشعر مآسي أهلنا في أقطار من هذا العالم بل نستشعر ذلك ونحاول بكل مانستطيع مساعدتهم ودفع الأذى عنهم.
في العيد استمتع مع عائلتك بفضاء الله الواسع، متعهم، صل رحمك، زر أصدقائك، خصّص عيدك للزيارات والجولات، أنهي علاقات الخصومة والعداوة فإنّ الدنيا جميلة بالعلاقات .
في العيد اضبط انفعالاتك فلا غضب ولا توتر ولا قلق له مكانٌ في عيدك بل مرحباً بالهدوء والفرح والسعادة والمتعة والانطلاق والانعتاق من الروتين الآسر.
في العيد كن كريماً زد من إنفاقك على زوجتك وأبنائك فهم يستحقون منك ذلك، تمتّع معهم، واستشعر فرحهم كأنه فرحك، ومتعتهم كأنها متعتك.
في العيد تجنّب النقاشات والمجادلات لك رأيك وللآخرين رأيهم ليس من الضرورة   أن يقتنعوا بزاوية نظرك وليس مهماً أن تقتنع بزوايا نظرهم، تمتّع بالأحاديث الخفيفة اللطيفة مع الآخرين، اللّجاج يُفسد المزاج.
كل عام أنتم بخير.

د.خالد محمد المدني
خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة
رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO.
دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا
للتواصل مع الدكتور خالد المدني