الجمعة، 13 أكتوبر 2017

كيف أفهم ذاتي وأُعيد التوازن لها ؟ (3) / الدكتور خالد بن محمد المدني


من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
نظرية الاختيار (3)

تحدثت في التدوينة السابقة عن صفات الإحتياجات عند وليم جلاسر، وتعرّفنا سوياً على هذه الصفات شرحاً وأمثلةً،  وفي هذه التدوينة أواصل الحديث ضمن سلسلة كيف أفهم ذاتي وأُعيد التوازن لها، عن الصور الذهنيّة، مواصفاتها، ومميزاتها.
سأتحدث بمقدمة قبل الدخول في مواصفات الصورة الذهنيّة كيف نلتقط الصورة الذهنيّة من المحيط الخارجي، الله سبحانه وتعالى خلقنا وأمدّنا بأكبر نعمة وهي بمثابة النوافذ والأبواب على العالم الخارجي وهي الحواس الخمس (البصر، والسمع، والشم، والذوق، واللمس)، وبعضهم أضاف حاسّة سادسة وهي الحركة، وبعضهم أضاف الإلهام، لكن في العموم البشر متفقون على أنها خمس حواس، دعونا نأخذ الحواس حاسّة حاسّة، ونفصّل الكلام حولها.
نحن نعيش في ثلاثة عوالم العالم الأوّل عالم المكان: وهو عالم البصر، والعالم الثاني هو عالم الزمان: وهو عالم السمع، والعالم الثالث: هو عالم الإحساس، وسنقتصر في الحديث عن العالم الأول: عالم البصر، لأنه موضوع تدوينتنا.
ـ الحاسّة البصريّة والعالم الخارجي:
البصر نوعان:
1 ـ بصر داخلي وهي الصور المتذكّرة، والصور المتخيّلة.
2 ـ بصر خارجي يسمى حقيقي.
البصر الداخلي المتذكّر مرتبط بالماضي، فلو قلت لك مثلاً تذكر صورة بيتكم وأنت طفل ستستجلب صورة من الماضي لأنها مخزنة في عقلك في النظام السلوكي، لكن لو قلت لك تذكر صورة هارون الرشيد لن تتذكرها لأنك لم ترى هارون الرشيد بل ستركّب له صورة متخيّلة، ويمثل الوعي بهذه الاختلافات مهماً جداً في تحقيق عملية جمع وتشفير ونقل الخبرات، لأنّ أحد المشكلات التي يعاني منها الكثير هو عيشهم المستمر، وارتباطهم بصور الماضي، والتي غالباً ماتجلب معها ذكريات حزينة، بينما الصور المتخيّلة مرتبطة بالمستقبل، وهنا يستطيع الفرد التلاعب الصور الذهنية، وإنشاء صوراً جميلة للمستقبل، كما صنع المنصور بن أبي عامر صورة حققها، وكما شكّل نيلسون مانديلاّ صورة وصل إليها، بينما ظلّ قيس يعيش صورة في الماضي جلبت له الدمار والاعتلال إلى أن قضت عليه، والنوع الثاني: البصر الخارجي وهو الذي من خلاله يستطيع الفرد المبصر رؤية العالم الخارجي، والعالم يمتلىء بأشياء مختلفة يمكن رؤيتها، ولن نركز هنا على محتوى ما يشاهده الإنسان بشكل خاص ولكن كذلك على طبيعة وشكل هذه المشاهدة، لأنّ هناك مايسمّى بخداع البصر أيضاً ترى شيئاً، ويظهر لك للوهلة الأولى شيء، وعندما تتمعّن به يظهر لك شيء آخر، وهناط طريقتان لرؤية الأشياء في العالم الخارجي:
الأولى: الرؤية التفصيليّة: تركز هذه الطريقة على رؤية الأشياء في العالم الخارجي بالتفاصيل الدقيقة.
الثانية: الرؤية الإجماليّة: وتركز هذه الطريقة على رؤية الأشياء في العالم الخارجي بطريقة إجماليّة، ويعود ذلك على الأرجح إلى طريقة كل من المخ الأيمن والمخ الأيسر في رؤية الأشياء، وكذلك إلى استخدام منطقتين مختلفتين من شبكية العين، سأذكر مثال ليتضح المقال: لو كنت تقود سيارتك في الطريق العام فإنّ عينيك غالباً ما تعمل بشكل إجمالي، فأنت في حقيقة الأمر لا تنظر إلى شيئ ما محدد بعينه ولكن عيناك تتجوّل بشكل تلقائي عبر ميدان واسع للرؤية من خلال زجاج السيارة، ومثل ما تكون عينيك غير مركزة على شيء معين بالتفصيل، فكذلك أنت غير مهتم بشيء معين بالتفصيل، وكل ما تحتاج إليه خلال عملية القيادة في مثل هذه الظروف هو معلومات إجمالية، فأنت تحتاج لرؤية ميدان واسع ولتلقي معلومات عنه لا يهم أن تكون تفصيلية، والآن لو  افترضنا أن هناك حصاة سقطت فجأة فكسرت زجاج سيارتك، في هذه الحالة ستختفي النظرة الإجمالية للطريق و كل ما ستركز اهتمامك عليه هو شكل التشققات التي حدثت في الزجاج المكسور وتغيب رؤية الميان الواسع، وهذا نوع مختلف من الرؤية يتناسب مع وصف مشهد صغير ممتليء بالتفاصيل، من رحمة الله بنا أنّ الرؤيتين الإجمالية والتفصيليّة تعملان بشكل متضاد تماماً ولكنهما متكاملتين في المهام، وليست هناك رؤية هي الأفضل دائماً، ولكن كل منهما يجيد أداء مهام معينة، ماهي مميزات كل نوع من الرؤيتين ؟
ـ مميزات الرؤية التفصيليّة:
1 ـ العين التي ترى بتفاصيل ممتازة إذا ما أردنا معرفة الكثير من المعلومات عن شيء صغير، فبرغم صغر مجال الرؤية إلا أنها ترى كم هائل من المحتوى البصري داخل هذا المجال.
2 ـ العين التفصيلية جيدة كذلك في رؤية حدود الضوء في الظلام (العين التفصيلية جيدة في رؤية الحدود الفاتحة فيما يناقضها من حدود معتمة أو غامقة)، وذلك لأنها تركز على الحدود الفاصلة بين الألوان المتباينة، أي تدرجات الألوان بدقّة وهذا ينعكس على المرونة العقليّة للأشخاص أصحاب القدرة على النظر التفصيلي.
ـ مميزات الرؤية الإجماليّة:
1 ـ الرؤية الإجمالية غير قادرة على التحديد ولكنها ترى العلاقات بين الأشياء.
2 ـ العين الإجمالية جيدة في استنباط الإيقاع والحركة.
ومن الطبيعي أن يميل الإنسان بشكل تفضيلي تجاه إحدى الطريقتين لرؤية الأشياء، ولكن الناس يستطيعون استعمال الطريقتين عند الحاجة لذلك، ولكنهم يفضلون إحداهما على الأخرى، وهذه التفضيلات نراها عندما يصف الناس مشهداً معيناً فترى البعض يصف المشهد بتفاصيل دقيقة وعجيبة، وآخرين يروون المشهد بإجمال ويقفزون عن أحداث مهمة، فلو شاهد إثنان حادثاً مرورياً، وكان تفضيل الأول التفصيل فسيرويه لك بأدق التفاصيل، ويرويه الثاني الإجمالي بتفاصيل قليلة جداً بل محدودة، والسؤال الأهم ماذا نستفيد من هذه المعلومة في موضوع كتابنا الصور الذهنية؟
هذا ماسنتحدث عنه في التدوينة القادمة بمشيئة الله ..
.. يتبع ..

د.خالد محمد المدني

خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة

رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO

دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا

للتواصل مع الدكتور خالد المدني

ch@olto.org




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق