الجمعة، 25 يناير 2019

تحرّر من قيودك (9)/د.خالد المدني


من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
تحرّر من قيودك (9)


في التدوينة السابقة تحدّثت عن التكنيك الثاني للتحرّر من القيود وهو: لكلّ حدث قراءتان كما أنّ لكلّ عملة وجهان، وفي هذه التدوينة أتحدث عن الطريقة الثالثة وهي: قوّة الإختيار، الله سبحانه وتعالى منحك الإختيار هبةً لا اكتساباً ومنحةً لا صناعة فقال سبحانه :"وهديناه النّجدين" أي ألهمناه طريقين يختار بينهما، والطريقين واضحين : الخير والشرّ، الفلاح والخسارة، السعادة والشقاء، وفي موضعِ آخر قال: "فألهمها فجورها وتقواها"  أي غرس فيها القدرة على الإختيار بين الفجور والتقوى، النافع والضّار، الحسن والقبيح .
إذا كان الله خلق فينا الإختيار، وجعله ميزةً للإنسان عن الحيوان، فلماذا لايختار أكثر البشر؟ السبب واضح لأننا تربينا في مجتمعات برمجتنا على أن يختار الآخرين عنّا، وفوّضناهم بغفلة دون وعي ليمارسوا قوّة الإختيار بدلاً منّا وظنّنا وصدّقنا أنّنا لانستطيع الإختيار، الإنسان هو الكائن الوحيد الذي لديه اختيار ويستطيع تحمّل آثار هذا الإختيار " لاإكراه في الدين قد تبيّن الرّشد من الغيّ" فإذا كان أعظم شيء وأشرفه هو معتقدك فوّضك الله باختياره وتحديده فما ظنّك بما هو دونه، تذكّر أنّ تفويضك لحقّ الإختيار الخاص بك للآخرين فيه مصادرة لعنوانك، وهوّيتك، وإنسانيّتك.
سأًطبّق تطبيقاً عملياً على قوّة الإختيار في المثالين السّابقين اللّذين طبقنا عليهما في التدوينة السابقة: لكلّ شيء قراءتان كما أنّ لكلّ عملة وجهان، وهم قيد الوظيفة ، ، وقيد الخوف من المرض، وقيد الماضي:
أولاً: قيد الوظيفة:
صالح تعيّن في وظيفة لايحبّها ولا يشعر بذاته أصلاً فيها، وليس لديه كثير عمل يعمله قالوا له: فقط وظيفتك مراقبة دخول وخروج الطلاّب في الصّباح وعند الإنصراف، صالح اختار أن يتعلّم ولا يتألّم من هذه الوظيفة فجلب معه مجموعة من الكتب يقرأها وقت فراغه فيقوم صباحاً نشيطاً يؤدي مهمته بكلّ إخلاص، وبعد ذلك ينكبّ على الكتب التي أحضرها قراءة، وتلخيصاً، وتعلّماً بل أصبح ينقل هذه المعلومات لأصحابه إذا التقى بهم، قرّر صالح أن يكمل دراسته الجامعيّة منتسباً لإحدى جامعات المملكة وهو الآن في السنة الأولى منها، لو شخصٌ آخر مكان صالح ألا تتوقعون أنّه اختار الإنفعال على الأفعال وربما فصل من وظيفته.

ثانياً: قيد الماضي:
سعد شتمه شخصٌ في مجلس من المجالس، لكنّ سعداً لم يردّ عليه، وبعد مرور خمس سنوات على هذه الحادثة إلاّ أنّ سعداً مازال يتألّم من هذه الحادثة ويلوم نفسه لماذا لم أردّ عليه، وأوقفه عند حدّه، ماذا يقول سعدٌ لنفسه حتى يختار الفعل الصحيح، هو يعرف أنّ هذه الحادثة انتهت، وانقضت وربما من فعل ذلك يلوم نفسه الآن أكثر من سعد نفسه، قرّر سعد أن يشغّل عقله بما ينفعه ، وعرف أنّ لكل حادثة قراءتان كما أنّ لكلّ عملة وجهان، وقرّر أن يختار: أن يسامح ذلك الشخص فمن سامح وغفر فأجره على الله، تذكّر سعد قصّة أبو بكر الصدّيق ـ رضي الله عنه مع مسطح الذي نال من عرض أمّ المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها، وكان الصدّيق يصله بمال فاختار أن يقطع عنه الصّلة فأنزل الله:"ولا يأتي أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبّون أن يغفر الله لكم والله غفورٌ رحيم" ، فقال الصدّيق بلى: أحبّ أن يغفر الله لي فأعاد الصّلة، وقد يختار سعدٌ أن يذهب لذلك الشخص ويصارحه بالموقف الذي حصل معه لأنّ سعداً يعلم أنّ الله منحه قوّة الإختيار ومن قوّة الإختيار أن يفعل ولا ينفعل.
ثالثاً: قيد الخوف من المرض:
أعرف شخصاً جاءني في مكتبي الإستشاري وقد أًصيب بالسكّر، لم يأتني يطلب استشارة كيف يتعايش مع هذا المرض بل جاءني يسأل عن كيف يطوّر ذاته، ويزيد من وعيه، لكنّه أخبرني بقصّته وكيف أُصيب بالسكّر، وكيف كان أمامه مفترق طريقين: إمّا أن ينفعل مثل معظم بقيّة البشر، أو يفعل؟ فاختار الفعل على  الإنفعال، يخبرني فيقول: قرّرت أن ألتزم حميةً غذائيّة، ورياضةً يوميّة كان وزني حينها : 140 كيلو جرام، والآن وبعد سنتين وزني أصبح 70 كيلو غراماً، مستمتع بحياتي، والسكّر تحت سيطرتي أنا أسيطر عليه هو لايسيطر عليي أنا ألعب به هو لايلعب بي، مازلت أبحث عن علاج له لأنني اخترت فكرة :"تداوو عباد الله فما أنزل الله من داء ألاّ وأنزل معه دواء علمه من علمه وجهله من جهله" حديث نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام وفي يوم من الأيّام سوف أتخلّص منه نهائيّاً، هذا الأخ اختار أن يتحرّك لعلاج المرض، لم يخف منه ويخشاه ويتركه يدمّر ذاته لانّه يعلم أنّ المرض قضيّة، والموت قضيةٌ أخرى منفصلةٌ عنها، فالموت ليس له سبب.
يُتبع ..
د.خالد محمد المدني
خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة
رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO
دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا
للتواصل مع الدكتور خالد المدني

الجمعة، 18 يناير 2019

تحرّر من قيودك (8)/د.خالد بن محمد المدني


من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
تحرّر من قيودك (8)

في التدوينة السابقة تحدثت عن القيود الذهنيّة  كيف نواجهها؟ وكيف نتحرّر منها؟، وتحدثت عن الطريقة الأولى أو التكنيك الأوّل وهو: شغّل عقلك بما ينفعك وفي هذه التدوينة سأعرض التكنيك الثاني وهو :  لكل حدث قراءتان، من تكنيكات التحرّر من القيود الذهنيّة أن تعتقد اعتقاداً جازماً أنّ لكل حدث قراءتان كما أنّ لكلّ عملة وجهان وكونك لم تستطع رؤية الوجه الإيجابي لاينفي وجوده بل أنت لم تستطع قراءته، والسؤال الهام: لماذا لانستطيع قراءة الوجه الإيجابي للحدث؟، فعلى سبيل المثال شيخ الإسلام ابن تيمية قرأ السجن خلوة، والنفي سياحة، والقتل شهادة، والخنساء رأت  قتل أخيها صخراً في الجاهليّة مصيبة ونهاية العالم، ورأت بعد الإسلام قتل أبنائها الأربعة في معركة القادسية شهادة، باختصار الذي لايجعلنا قادرين على رؤية الجانب الآخر من الحدث هو الإنفعال الشديد الذي يسيطر على العقل ويحتلّه فيجعله مقوداً لا قائداً وتابعاً لا آمراً، وعندما نتحرّر من الإنفعال نستطيع رؤية الجانب الإيجابي من الحدث الذي نراه سلبياً، دعني أخي الكريم أختي الكريمة أعطيك بعض الأمثلة توضّح لك كيف نمارس تكنيك ـ لكلّ حدث قراءتان، سنأخذ قيد من الحاضر، وآخر من الماضي، وثالث من المستقبل:
ـ قيد الوظيفة :
الوظيفة يراها الكثير قيداً لكنها  ليست قيد هي فرصةَ لتنمية الرزق، والاستمتاع بالحياة، أنا أذكر جيدَ عندما كنت في عمل لا أحبّه قلبته لمتعة، ولو قلبت لقبلت، فكنت أرى الأعمال التي لا أحبها فرصة لتعلّم مهارات جديدة، واستثمرت فترات اللّاعمل في تطوير ذاتي، فقرأت بلا مبالغة أكثر من مئة كتاب في تطوير الذّات، والقيادة، والإدارة فاستمتعت بعملي وإنجازي، أعرف شخصاً تعين في غير منطقته وجاءني حزيناً مكتئباً فقلت له: صدقني فرصة لتطوير ذاتك، واستثمار إمكاناتك، غاب عني وبعد سنوات جاءني سعيداً وقال لي: الحمدلله الذي وفقني بك، وجعلني آخذ بنصيحتك، تعبت في البدايات لكنني نجحت وطوّرت مهاراتي، وافتتحت مقهى وأنا الآن أربح ضعف راتبي، قلت له كيف حصل ذلك؟ قال: وقت فراغ كبير قلت لنفسي أستثمره فيما ينفعني ويرفعني، أم فيما يضرّني، ويخفضني، قررت استثماره في العمل والكد والكدح، وغيري من زملائي استثمره بالسهر والنوم، وأنا الآن امتلك عملاً تجارياً، ومهارات متطوّرة، أرأيتم كيف أنّ لكل حدث وقراءتان؟.
ـ قيد الخوف من المرض :
المرض يعلمني خيرا عن ذاتي، هي رسائل إيجابيّة من جسدي أنّ هناك وضعاً خاطئاً يحتاج لتعديل، جسدي يتحدث معي بطرقة مختلفة، يحادثني، يهاتفني، يسمعني صوته، المرض يزيد من مناعتي، فيها أجر لي تكفير ذنوب، نفع لي يقتل فيروسات، ماذا أفعل في حالة المرض، أفعل ولا أنفعل ابحث عن العلاج فلكلّ داء دواء علمه من علمه، وجهله من جهله.
ـ قيد الماضي :
الماضي انتهى وانقضى ولن يعود، فإمّا أن تجعله مخزناً للتعلّم أو سبباً للتألّم، الإيجابي يتعلّم منه ولا يتألّم، ويستمتع بذكرياته السعيدة فقط، أمّا من يرى الماضي فقط سبباً لجرّ الأحزان واجترار المشاعر المؤلمة فماعرف الوجه الآخر للماضي.
.. يُتبع ..
د.خالد محمد المدني
خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة
رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO
دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا
للتواصل مع الدكتور خالد المدني

الجمعة، 11 يناير 2019

تحرّر من قيودك (7)/د.خالد بن محمد المدني


من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
تحرّر من قيودك (7)

في التدوينة السابقة تحدثت عن المصدر الرابع والأخير من مصادر القيود الذهنيّة وهي الحيل النفسيّة، وفي هذه التدوينة سأتحدث عن كيف نواجه هذا القيود ونتحرّر منها، في هذه التدوينة سأعرض الخطوة الأولى للتحرّر من القيود الذهنيّة وهي: تشغيل العقل بما ينفعك، أوّل خطوة للتحرّر من القيود هي أن تشغّل عقلك بما ينفعك عقلك يشتغل لك أو عليك معك أو ضدّك ، 70% من البشر عقولهم تشتغل ضدّهم في تدميرهم وليس تعميرهم، انتبهوا أنّ عقولكم منشأة لكم وليس ضدكم، افحصوا محتوى عقولكم، نظّف عقلك من الأفكار التي تدمّرك، لايوجد شيء اسمه واقع بل توقّع، اجعل الواقع داخلي جيّد، من يحدد لك السعادة أو التعاسة عقلك محتواه ماذا يدور في عقلك من أفكار هي التي ستتحكم بحياتك فحياتك نتاج أفكارك، الحياة حلوة فيها تحديات، الذي لاينظّف عقله من الأفكار السلبيّة يشتغل عقله ضدّه لتدميره، معظم البشر يحمل في عقله فيروسات تدمّر عقولهم مثل جهاز المناعة عندما يحدث فيه اختلال يهاجم الأشياء الجيدة، نحن نحمل أمراضاً عقلية، فكّر في عقلك، راجع أفكارك (محتوى عقلك)، إن وجدت فكرة سلبيّة قل لعقلك لحظة لحظة، أنت الآن تعمل ضدّي، وأنا أحملك بين أكتافي لتعينني لا لتثقلني، هيا ابحث لي عن فكرة جيدة ولسوف يعطيك عقلك فكرة جيّدة تذكّر أنّ عقلك محايد أنت من يوجهه ويقوده، إن قال لك عقلك أبنائي سبب شقائي قل له: لحظة لحظة، المال والبنون زينة الحياة الدنيا، ماذا تريد من ابنائك؟ قد تكون المشكلة في التوقّع وليس الواقع زوّدني بشيء جيّد أعمله مع أبنائي  وهي كثيرة، هي قضية عقلية، قضيّة داخليّة وليست خارجية، كثيرٌ من الأمثلة الشعبية، والمسلّمات الحياتية تدعل عقلك يشتغل في تدميرك، من مثل: النعم زوّالة، إذا جاءتك هذه الفكرة قل لعقلك: لحظة دعنا نتناقش، الله سبحانه وتعالى يقول: "وإذ تأذّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنّكم" ياعقلي الله يخبرنا أنّ النعم تدوم وتدوم بالشكر، وأنت جلبت لي فكرة من الخارج تقول، النعم زوالة فمن أصدّق أنت أم الله؟ إن قال لك عقلك، الحياة شقيّة، قل له لحظة لحظة نبيّ الرحمة عليه الصلاة والسلام يقول: " الدنيا حلوة خضرة"، وأنت جلبت لي فكرة خارجية تقول: الدنيا شقاء فمن أصدّق أنت أم نبيّ الرحمة؟، ياعقلي القضية صورة ذهنية، أنت من يصوّر الدنيا فيراها شقية أو حلوة حسب التفسير الذي تضعه أنت للأحداث، هذه أخي الكريم .. أختي الكريمة: مجرّد أمثلة لتشغيل عقولنا بما ينفعنا، عقلك محايد أنت الذي تقوده حيث تريد فإن لم توجهه الوجهة التي ترغب وجهته أحداث الحياة، لاتدع أحداث الحياة اليومية تقود عقلك وتوجهه بل أنت أمسك بزمام القيادة وقد عقلك حيث تريد أن يكون، لايوجد يوم سعيد ويوم تعيس يوجد عقل محايد وقائد يقود فأينما وجهت عقلك اتجه معك، الدقائق الأولى من استيقاظك إما أن تخطف عقلك أو سيخطفه الآخرون منك، عقلك وعاء ماتملأه به هو ماسوف تراه فإن ملأته بكلام طيب إيجابي سوف تتحدث به لأن عقلك يجلب ماخزنته فيه "كل ابن آدم يولد على الفطرة "، لاتتكلّم مع نفسك إلاّ بالطيّب "وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن" صدقني الكلمة التي تحدث بها نفسك تتمثّل لك في عقلك وتقود تصرفاتك وكيانك وحياتك، لاتبدأ يومك بانفعال الانفعال مضر، لاتجعل توافه الأمور تقودك لانفعالات تُفسد يومك وتُتلف ذاتك، ابدأ أول لحظات الاستيقاظ بالأعمال التي تمتعك وتلذّذك فهي من ستقود يومك.
.. يُتبع ..
د.خالد محمد المدني
خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة
رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO
دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا
للتواصل مع الدكتور خالد المدني