الأحد، 27 نوفمبر 2016

صناعة الأسرة (7) / الدكتور خالد بن محمد المدني


من مقالات الدكتور خالد محمد المدني 

  

كيف تبني أسرة إيجابية وسعيدة؟ (7)

مازلنا نتحدث عن مؤشرات الأسر السوية وفي إشراقات فرجينيا ساتير حول هذا الموضوع وفي هذه التدوينة سنتحدث عن تقدير الذات في الأسرة ذلك الوعاء الذي لايراه أحد:
 تقدير الذات:
الوعاء الذي لا يراه أحد
تقدير الذات هو مفهوم، حالة سلوكية، مشاعر، صورة، تتمثل على شكل سلوك، تتحدث ساتير عن تجربتها فتقول: "عندما كنت فتاة صغيرة عشت في مزرعة في ولاية "ويسكونسن"، وكان في فنائنا الخلفي وعاء معدني ضخم ذو فوهة مستديرة ويقف على ثلاثة أرجل، وكانت أمي تصنع به حساء في مواسم من السنة فيمتلئ عن بكرة أبيه، أما في الصيف فيكون موعد دق الحنطة ونملأه بها مع الماء المغلي، أما في أوقات أخرى من السنة فاعتاد أبي على ملأه بالسماد من أجل أزهار أمي، ومع مرور الوقت اعتدنا تسمية القدر (قدر3-اس)[1]، فإذا أراد كل واحد منّا استعمال القدر لحاجة نفسه فيحتاج أن يجيب على سؤالين: ما الذي يملأ القدر الآن؟ وما هو مقدار امتلاءه؟ بعد ذلك بفترة طويلة، عندما بدأ الناس يخبرونني عن أنفسهم بنعوت مختلفة مثل أنهم: ممتلؤون، متسخون، فارغون، متصدعون - فكرت بذلك القدر الكبير قديماً، وفي يوم من الأيام قبل سنوات خلت، جاءت إلي عائلة وجلست أمامي في المكتب وهم يجاهدون أن يجدوا الكلمات المناسبة ليخبروا بعضهم البعض كيف هي مشاعرهم تجاه بعضهم البعض، تذكرت ذاك القدر القديم الأسود وذكرت لهم القصة، فيما بعد بدأ أفراد العائلــة يتكلمون عن قدورهــم الخاصة بهم، وما إذا كانت مملوءة بمشاعــر التقديــر والاحترام أو مملوءة بمشاعر الذنب والعار وعدم النفع، أخبروني فيما بعد كيف كان هذا المجاز مفيدا لهم، إلى وقت قريب ساعدت هذه الكلمات المجازية القليلة الكثيرمن العائلات لكي تعبرعن مشاعر كانت تجد صعوبة في التعبير عنها، فتجد رب الأسرة يقول: (وعائي عال اليوم) وبقية أفراد العائلة يعلمون أنه شعر بقمة المشاعر، وقد امتلأ بالحيوية والروح النشطة، وشعر بالأمان لما يؤمن به حقاً، أو أحد أبناء العائلة يقول:
(أشعر بأن وعائي منخفض)، هنا تصل الرسالة للجميع أنه لم يعد يلقي بالاً، هو يشعر بالتعب، أو الملل، أو محطم أو ليس محبوباً بشكل خاص. وربما تعني كذلك أنه يشعر أنه عديم النفع رغم أنه يؤدي ما عليه ولا يشتكي، الوعاء أو القدر هي كلمة بسيطة تكاد تكون لا معنى لها في هذا السياق، الكثير من الكلمات التي يستعملها المحترفون من الناس تتحدث عن تقدير الذات تبدو بصورة عقيمة وعديمة الحس والنفس، الأسر يجدون مصطلح الوعاء - أسهل لهم في التعبير عن مشاعرهم وفهم مشاعر الغير إذا استعملوا نفس المصطلح كذلك، وبشكل مفاجئ يبدون أكثر راحة، وكأنهم قد أعتقوا من الحرج الاجتماعي في التعبير عن مشاعرهم. زوجة تتردد في إخبار زوجها أنها مليئة بمشاعر الإحباط وأنها تافهة وغير ملائمة، هنا بإمكانها أن تقول وبكل صراحة: (لا تضايقني الآن فوعائي يتم جره من ثقله)، هنا عندما نقول (وعاء) فإننا نعني تقدير الذات أو قيمة الذات، إنني أبادل استعمال هذه الكلمات باستمرار، (إذا كنت تفضل كلمة أخرى مناسبة لك ،استعملها). كما قلت لكم في وقت سابق كل إنسان لديه قيمة لذاته إيجابية كانت أو سلبية. وكما جاء في سؤالي وعاء أهلي القديم: هل قيمة تقديري لذاتي الآن إيجابية أو سلبية؟ وما هو مقدارها؟، تقدير الذات هو القدرة على معرفة قيمة نفسك وكذلك أن تعامل نفسك بكرامة، وحب، وواقعية. أي شخص كان محبوباً فلديه القدرة على التغيير. أجسادنا ليست مختلفة، في سنوات خبرتي الطويلة في تعليم الأطفال، والتعامل مع العائلات على جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية، ومقابلة الناس في جميع مناحي الحياة، ويوماً بعد يوم من الخبرات التي اكتسبتها في حياتي المهنية والشخصية، فإنني على قناعة تامة أن العامل الجوهري فيما يحدث داخل - الناس وما - بين- الناس، يكمن في قيمة الذات وهو الوعاء.
فرجينيا ساتير بتصرّف ـ تعديل وإضافة د.خالد بن محمد المدني
حاصل على دبلوما العلاج الأسري من هيئة المعادلات الدولية ـ الإنتل باس
يتبع ..

 


د.خالد محمد المدني

خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة

رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO.

دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا

للتواصل مع الدكتور خالد المدني

ch@olto.org


 


 

الأحد، 20 نوفمبر 2016

صناعة الأسرة (6) / الدكتور خالد بن محمد المدني


من مقالات الدكتور خالد محمد المدني 

  

كيف تبني أسرة إيجابية وسعيدة؟ (6)


مازلنا نتحدث عن مؤشرات الأسر السوية وفي إشراقات فرجينيا ساتير حول هذا الموضوع وفي هذه التدوينة نواصل الحديث عن هذه المؤشرات:
تقول ساتير: "البعض قد يتهكم على الصورة التي رسمتها للأسر السوية ويقولون إنه لمن غير الممكن أن تعيش أسرة هكذا، لقد اعتدنا المعيشة غير السوية للأسر لدرجة جعلتنا نفكر أنه لا توجد طريقة أخرى، أقول لهؤلاء أنه تسنى لي عظيم الشرف لمقابلة عائلات سوية كثيرة بشكل وثيق لذا فذلك ممكن، وقلب الإنسان دائماً يبحث عن الحب".
 البعض ربما سيحتج ويقول أنه لا يوجد وقت لتعديل كافة جوانب الأسرة، أقول لهؤلاء إن نجاتهم تعتمد على ذلك، إن الأسر المضطربة تصنع أشخاصاً مضطربين وبالتالي نساهم في الحط من قيمة الذات والذي يلعب دوراً في الجريمة، الأمراض العقلية، إدمان الكحول، إدمان المخدرات، الفقر، نفور الشباب، الإرهاب، والعديد من المشكلات الاجتماعية، أن نعطي لأنفسنا المبادرة الكاملة لجعل العائلة موطناً لنمو الأفراد المتصفون بالإنسانية مسبقاً سينعكس في جعل العالم أكثر أمناً وإنسانية، نستطيع أن نجعل الأسرة مكانا حقيقيا لتطوير الناس، إذ أن كل فرد منّا هو اكتشاف بحد ذاته وكل فرد منّا يستطيع أن يحدث فرقاً.
كل الّذين امتلكوا يوما منصبا مؤثراً وذو نفوذ كانوا يوماً أطفالاً، الطريقة التي يتعاطى بها هذا الإنسان مع هذه القوة وهذا النفوذ يعتمد اعتماداً كبيراً على الطريقة التي نشأ بها وتعلم عليها لدى عائلته عندما كان صغيراً، عندما نساعد العائلات المضطربة ليكونوا عائلات سوية ونساعد العائلات السوية ليرتقوا أكثر بأنفسهم فإن كل فرد متأثر هنا ارتقى بإنسانيته سيندرج يوماً ما تحت جهاز حكومي ومدرسة وتجارة ودين ومن ثم جميع المؤسسات التي تنضم جودة حياتنا،
لدي قناعة تامة أن جميع العائلات المضطربة بإمكانها أن تكون عائلة سوية، أغلب المؤثرات التي تسبب الاضطراب في العائلات يتم تعلمها بعد الولادة، وبما أنه يتم تعلمها فبالإمكان التخلص منها، واستبدالها بما هو عكسها ولكن السؤال المهم - كيف؟.
     أولاً - تحتاج أن تتعرف على عائلتك ما إذا كانت أحياناً أسرة مضطربة.
     ثانياً ـ عليك أن تسامح نفسك عن أخطائك الماضية لتعطي نفسك فرصة التغيير وتعلم أن أموراً بالإمكان أن تكون مختلفة.
    ثالثاً ـ قرر فوراً أن تحدث تغييراً.
    رابعاً ـ اتخذ بعض الإجراءات لتبدأ عملية التغيير.
عندما تبدأ برؤية ملامح ومواصفات العائلة المضطربة بوضوح أكثر، سيساعدك ذلك في إدراك أنه مهما حدث في الماضي من متاعب فإنها تمثل أفضل ما كنت تعرف بذله في ذلك الوقت، لا يوجد هناك أدنى سبب لأي أحد للشعور بالذنب أو لوم الآخرين في العائلة.
الأسباب التي أدت لتلك الآلام أن تحدث للأسرة ليست معروفة لكم جميعاً ليس بسبب أنكم لا تريدون أن تروها ولكن إما لأنكم لا تعرفون أين تبحثون؟ أو لأنكم تعلمتم أن تروا الحياة من خلال عدسات ذهنية تمنعكم من الرؤية.
في التدوينة القادمة بإذن الله سنتحدث عن هذه العدسات ونبدأ بالتخلص منها لترى مباشرة تلك الأشياء التي تسبب الألم أو المتعة في حياة العائلة ولنبدأ أولاً بتقدير الذات.
فرجينيا ساتير بتصرّف ـ تعديل وإضافة د.خالد بن محمد المدني
حاصل على دبلوما العلاج الأسري من هيئة المعادلات الدولية ـ الإنتل باس
.. يتبع ..

د.خالد محمد المدني

خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة

رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO.

دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا

للتواصل مع الدكتور خالد المدني

ch@olto.org

 

الأحد، 13 نوفمبر 2016

صناعة الأسرة (5) / الدكتور خالد بن محمد المدني


من مقالات الدكتور خالد محمد المدني 

  

كيف تبني أسرة إيجابية وسعيدة؟ (5)

مازلنا نتحدث عن مؤشرات الأسر السوية وفي إشراقات فرجينيا ساتير حول هذا الموضوع وفي هذه التدوينة نواصل الحديث عن هذه المؤشرات:
الوالدان في الأسر السويّة ينظرون إلى أنفسهم أنهم قادة ملهمون وليس رؤساء متسلطون، دورهم في المقام الأول أن يعلّموا أبنائهم بأن يتصفوا بالإنسانية عند أي ظرف كان، يسلمون لأبنائهم اجتهاداتهم الخاطئة وكذلك اجتهاداتهم السليمة، يتقبلون آلامهم وغضبهم وخيبة آمالهم كما يتقبلون مرحهم ودعابتهم، وإن هؤلاء الوالدين تتطابق أفعالهم مع أقوالهم، قارن ذلك بالأسر المضطربة الذين ينصحون أبنائهم بعدم إيذاء بعضهم البعض ولكنهم يصفعونهم عندما يغضبون،
الوالدان هم بشر و ليسوا قادة بالسليقة عند أول طفل، هم تعلموا أن القادة الجيدون هم من يهتمون بأوقاتهم ، تجدهم يتحينون الفرص ليتحدثوا مع أبنائهم عندما يجدون وقتا للحديث، وعندما يسيء أحد أطفالهم تجد الأم أو الأب يتحركون قريبا منهم لدعمهم، وهذا يساعد الطفل المسيء أن يتجاوز خوفه وشعوره بالذنب ويقدم أفضل ما يستطيع مما تعلم من والديه، تروي فرجينيا ساتير هذه القصّة: " مؤخرا رأيت أمّا من أمهات العائلات السوية تعاملت مع موقف عائلي مزعج حصل لها بكل مهارة وإنسانية، لاحظت تلك الأم أن ابنيها وهما في سن الخامسة والسادسة يتشاجران بكل هدوء فصلت الولدان وأخذت بيد كل واحد منهما وأجلستهما بجانبيها وهي في المنتصف، طلبت منهما وهي مستمرة في مسك أيديهما أن يحكوا ما جرى واستمعت باهتمام للأول ثم الثاني كل بدوره، ومع بعض الأسئلة لهما استطاعت أن تلتقط بأناة أطراف المشكلة، الطفل ذو الخمس سنوات قد أخذ نقودا من خزانة أخيه الطفل ذو الست سنوات، وفي الوقت الذي بدأ الأخوان يتكلمان مع الأم عن ألمهما وحقهما المسلوب هيئت الجو لتواصل جديد مع بعضهما وأرجعت النقود لمالكه الحقيقي ومهدت الطريق للأخوين لكي يتعاملوا مع بعضهما بشكل أفضل "، الوالدان في الأسر السوية يعلمون أن أبنائهم ليسوا سيئين بطبعهم، وإذا أساء أحد الأبناء بشكل كارثي سيدرك آباءهم أن هناك خطأ بالفهم لا شك موجود أو أن تقدير الذات لأحدهم منخفض ، فهم يعلمون أن الناس يتعلمون فقط إذا كانوا يقدّرون أنفسهم و يشعرون بالتقدير من قبل الآخرين، لذا فإن  استجاباتهم السلوكية لا تكون بطريقة تصيب الآخرين بانخفاض في تقدير الذات حتى لو كانت هناك فرصة لتغيير سلوكيات الآخرين بالعقاب أو الإخجال فالنتائج حتى لو كانت ناجعة فإنها تترك ندوبا من الصعب شفائها، عندما يراد تصويب سلوك طفل ما كما يراد لأي طفل في وقت ما، الأسر السوية تعتمد على الوضوح في أدائها: طلب معلومات الإنصات اللمسة التفهم اختيار الوقت المناسب والوعي بانتباه لمشاعر الطفل ورغبته الطبيعية بالتعلم والإرضاء. هذه الأمور جميعا تساعدنا لكي نكون معلمين فاعلين، الأطفال يقتدون بالسلوكيات المباشرة للبالغين ، التربية الأسرية غالبا من أصعب الوظائف في العالم، ويشبه ذلك دمج شركتين كبيرتين بكافة مواردهما الضخمة من أجل الحصول على منتج واحد، فالصداع الناتج عن هذه العملية يظهر عندما يشترك رجل وامرأة ليتوليا إدارة دفة أسرة بها أطفال من الرضاعة وحتى البلوغ، فالأسر السوية يدركون أن المشكلات تأتي تباعا وببساطة الحياة قدمت هؤلاء الأطفال لهم وسيكونون متيقظين بحلول خلاقة  لأي مشكلة طارئة قد تظهر. في الجانب الآخر، فالأسر المضطربة يحشدون طاقتهم في محاولات يائسة لمنع المشكلات من الحدوث ، بالطبع هم يفعلون ذلك دائما وعندما تحدث المشكلات لا توجد لديهم موارد لحلها،
      الأسر السوية يدركون أن التغيير هو شيء حتمي، الأطفال ينتقلون بسرعة من مرحلة عمرية لأخرى، فالأطفال الأسوياء لا يتوقفون عن النمو والتغيير والعالم حولنا لا يتوقف أبدا ، هم يتقبلون التغيير كجزء من حياتهم ويحاولون استثمار ذلك التغيير لجعل أسرهم أكثر نموا.
والآن: هل تستطيع التفكير في أسر سوية ولو على الأقل  لوقت ما ؟ هل تستطيع أن تتذكر أسرتك وقد مر عليها وقت كان بالإمكان أن يطلق عليها أسرة سوية؟ كيف كان شعورك وقتها؟ هل تلك الأوقات تحدث بشكل مكرر؟.
فرجينيا ساتير بتصرّف ـ تعديل وإضافة د.خالد بن محمد المدني
حاصل على دبلوما العلاج الأسري من هيئة المعادلات الدولية ـ الإنتل باس
.. يتبع ..

د.خالد محمد المدني


خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة


رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO.


دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا


للتواصل مع الدكتور خالد المدني



ch@olto.org