الأحد، 6 نوفمبر 2016

صناعة الاسرة (4) / الدكتور خالد بن محمد المدني




من مقالات الدكتور خالد محمد المدني 

  

كيف تبني أسرة إيجابية وسعيدة؟ (4)

في هذه التدوينة والتدوينات القادمة سأتحدث بإذن الله  حول العلاقات الأسرية وسأعتمد على منهج الرائدة في العلاج الأسري فرجينيا ساتير التي بذلت جهوداً كبيرة في التأصيل والبحث لتطوير وعلاج المشكلات التي تعاني منها الأسر..
تواصل فرجينيا ساتير إشراقاتها في صناعة الأسرة وفي هذه التدوينة سنتحدث عن مؤشرات الأسر السوية والأسر المختلّة تقول ساتير:
كيف تجد الفرق عندما تعيش مع أسرة سوية، أستطيع استشعار الحياة النشطة لديهم، تجد فيهم الأصالة والصدق والحب، أستطيع أن أستشعر القلب النابض والروح الحية مع حضورهم وتواجدهم، الأسر السويّة تبرز مشاعرها للحياة كالحب والحكمة والاحترام، أشعر أنني إذا عشت في مثل هذه الأسر سوف ينصت لي وسوف أستطيع أن أنصت للآخرين كذلك، وسوف ألتفت لنفسي وألتفت للآخرين كذلك، أستطيع أن أعبر عن ما يجيش في داخلي من ألم أو استنكار وأن أحاول وأخاطر ولا يجد الخوف سبيلا إليَّ لأن الجميع في عائلتي يدركون أنه لا بأس أن أخطئ لأن الخطأ قرين العمل وأن الخطأ هو علامة نضجي وتطوري ، سأشعر أنني حرة لا مقيدة، مقدرة ومحبوبة، مما يجعلني أتلطف وأقدر وأحب الآخرين، وسأتمكن من الاستجابة للدعابة والنكتة في السياق المناسب.
يمكن للمختص وغير المختص في الواقع أن يرى ويستشعر حيوية هذه الأسر، حضورهم لبق، وجوههم مرتاحة، ينظرون تجاه بعضهم البعض وليس خلال بعضهم البعض أو إلى الأسفل، صوتهم حيوي وواضح، لديهم تناسق وتناغم مع بعضهم البعض، الأطفال بل وحتى الرضع يبدون منفتحين وودودين وبقية أفراد العائلة يعاملونهم بأن لهم اعتبار.
إن البيوت التي تعيش فيها هذه الأسر تميل إلى أن تجد فيها الكثير من الإضاءة والألوان، بمعنى آخر هو مكان يعيش فيه الأسوياء ، هذه البيوت صمّموها أهلها خصيصا لراحتهم ومتعتهم وليست فقط كمظاهر أمام الأقارب والأصدقاء والجيران.
عندما يحل الهدوء، فهو الهدوء المريح، وليس هدوء الخوف والحذر، وعندما يحل إزعاج ما، فهو صوت النشاط المبرر والهادف، وليس صوت الرعد الذي يغرق كل شيء حوله، كل فرد من أفراد العائلة في الأسر السويّة يعلم في قرارة نفسه أن صوته مسموع ولديه الفرصة للحديث، وإذا لم يحن دور أحدهم للحديث فهو بسبب أنه لم يكن هناك وقت وليس بسبب أنه غير محبوب.
      الأفراد في الأسر السويّة يبدون مرتاحين لأن يلمسوا بعضهم بعضا وأن يظهروا مشاعرهم لبعضهم البعض بغض النظر عن العمر، إنّ الحب والاهتمام لا يعبر عنهما برمي القمامة، وطبخ الطعام، وإحضار المشتريات من البقالة، بل يعبر عن الحب والاهتمام بالحوار بانفتاح والإنصات باهتمام، وأن تكون واضحاً ومباشراً لبعضكم البعض وببساطة هو أن تكونوا معاً.
أفراد الأسر المستقرة يشعروا بحرية لكي يعبروا عن مشاعرهم لبعضهم البعض، كل شيء متاح للمناقشة: الخوف، الألم، الغضب، خيبة الأمل، الانتقاد، بالإضافة إلى المرح والإنجازات، فإذا لم يكن أبّ الأسرة في مزاج جيد لأي سبب من الأسباب، فالطفل هنا وبكل حرية يقول لأبيه (عجباً أبي لماذا أنت عابس الليلة؟)، الطفل هنا عبر عن ما رآه دون أن يلجمه الخوف من أبيه أن يرد عليه بقولــــــه مثلاً (كيف تجرؤ على مخاطبة أبيك بهذا الشكل؟)، بالعكس بل بإمكان الأب أن يكون صريحــــاً كذلك ويقول:
(معك حق فقد مررت بفترة مزعجة اليوم)، لو كان للأسرة السوية خطة ما وحصل أن تعطلت لأي سبب كان، فإن لديهم القدرة على التكيف مع الوضع الجديد بكل طيب نفس ممزوجة ببعض الدعابة، بهذه الروح بإمكانهم أن يتعاطوا مع مشاكل الحياة دون تشنج أو هلع.
لنفترض أن طفلا أسقط كأسا زجاجيا على الأرض، في الأسر المضطربة مثل هذه الحادثة قد تأخذ نصف ساعة من المحاضرات التأديبية مع ضربة في المؤخرة ودموع، بينما في الأسر السوية أقصى شيء هو تعليق أحد الوالدين:( أوه عمّار لقد كسرت الكأس، هل جرحت نفسك؟ سأحضر لك ضمادة ثم بإمكانك أن تحضر مكنسة وتكنس بها القطع الصغيرة، وسأحضر لك كأسا جديدة)، وإذا لاحظ أحد الوالدين أن ابنهم عمّار قد أمسك الكأس بيد واحدة لربما أضاف تعليقا يقول فيـه (أعتقد أن الكأس سقط لأنك لم تمسكه بيديك الاثنتين)، وبالتالي الحادثة استغلت كفرصة للتعلم - والتي ترفع من مستوى قيمة الطفل لنفسه - بدلا من استعمال العقــــــاب الذي يقلل من قيمـة الطفل لنفسـه، فهناك رسالة مخفية يلتقطها أفراد العائلة السوية مفادها أن حياة الإنسان ومشاعره هما أهم من أي شيء آخر.
فرجينيا ساتير بتصرّف ـ تعديل وإضافة د.خالد بن محمد المدني
حاصل على دبلوما العلاج الأسري من هيئة المعادلات الدولية ـ الإنتل باس
يتبع ..

د.خالد محمد المدني

خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة

رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO.

دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا

للتواصل مع الدكتور خالد المدني


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق