الجمعة، 21 ديسمبر 2018

تحرّر من قيودك (6) / الدكتور خالد بن محمد المدني


من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
تحرّر من قيودك (6)


في التدوينة السابقة تحدثت عن المصدر الثالث من مصادر القيود الذهنيّة في حياتنا وهي "الثقافة المنتشرة" وفي هذه التدوينة أتحدث عن المصدر الرابع من مصادر القيود وهي "الحيل النفسية"
أحد أهم مصادر قيودنا الذهنية التي تُكبّلنا وتُثقل كواهلنا هي حيلٌ نفسية، والحيلة النفسية هي طريقة يلجأ إليها العقل لكي يتهرّب من حقيقة مشكلته التي يعاني منها، وأكبر أمثلة على ذلك ثلاثة قضايا هي حقائق لانقول عنها شيء وهي الجن والسحر والعين هي حقائق لكنها إما أن تكون ليست هي سبب مايعانيه الفرد أو وُضعت في غير موضعها أو مضخمةٌ عن حجمها الطبيعي وسأُوضّح كل نقطة من هذه النقاط .
أولاً : كيف يكون الجن والعين والسحر ليس سبباً لمايعانيه الفرد؟ 
كثير من الحالات التي يدعي أصحابها أو الرقاة أنها عينٌ أو سحرٌ أو جن ماهي إلاّ اختلالات نفسيّة واضطرابات ذهنية بمجرد مايسلك الفرد طريق العلاج ويُحسن تشخيصه يبدأ بالتعافي وقد قابلت العديد من هذه الأنواع في مكاتب الإستشارات.
ثانياً: كيف يكون الجن والعين والسحر وضع في غير موضعه؟
في كثير من الحالات تكون المشكلة نفسية فيبدأ الفرد ليتخلّص من مسؤولية تغيير نفسه بذاته لأنه يعتقد أنها ستتطلب منه جهداً ووقتاً وطاقة إلى محاولة تبرير ذلك بأنه معيون أو مسحور أو به جن ليسقط التبعية على هذه الثلاثية فهو مُبتلى وعليه أن يستسلم ليؤجر ويعيش حياته متألماً لا متمتعاً خائفاً لامطمئناً يُراجع الرقاة وبعضهم له سنين لم يتحسّن ولو قليلاً ومازال على أبواب الرقاة والحكمة تقول :
إذا كان ماتعمله لايصلح جرّب شيئاً آخر..
ثالثاً : كيف يكون الجن والعين والسحر مضخماً ؟
حتى لو افترضنا وصدقنا أنّ به شيءٌ من ذلك وهنا لابدّ من التشخيص الدقيق وأقترح أن يكون هناك تشخيصٌ من المعالج أو الطبيب النفسي، والراقي الروحي أقول حتى لو ثبت ذلك فإنّ القضية أُعطيت أكبر من حجمها وضُخّمت ، النبيّ عليه الصلاة والسلام أرشدنا لطرق وحلول واقية وناجعة للتخلّص من ذلك سأُناقشها ابتداء من التدوينة القادمة عندما أتحدث عن مواجهة مصادر القيود والتحرر منها
الحيل النفسية تجعل الفرد يتهرّب من مشكلته الحقيقية حتى لايتحمل مسؤوليتها ويسعى لعلاجها بذاته أو بمساعدة الآخرين لذاته إلى الإسقاط ووضع المشبك على العين أو السحر أو الجن فيعيش حياته خائفاً متوتراً يخيّل له عقله خيالات ليس لها من الواقع شيءٌ يسندها.
.. يُتبع..
د.خالد محمد المدني
خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة
رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO
دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا
للتواصل مع الدكتور خالد المدني


الجمعة، 14 ديسمبر 2018

تحرر من قيودك (5) / د.خالد المدني


من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
تحرر من قيودك (5)
 
في التدوينة السابقة تحدثت عن المصدر الثاني من مصادر القيود الذهنيّة في حياتنا وهي " الخبرة السابقة"، وفي هذه التدوينة أتحدث عن المصدر الثالث من مصادر القيود وهي: الثقافة المنتشرة.
إحدى مصادر القيود التي تسلسل العقل بسلاسل مقيّدة الثقافة المنتشرة بين الناس الخاطئة طبعاً، وتبنيها كأنها حقائق وسوف أسوق بعض الأمثلة للتبيان لا الحصر حول الثقافة المنتشرة وأثرها على الأفراد إذا ماتبنّوها وصدّقوها:
في هذه التدوينة سأتحدث عن الصورة الأولى من صور الثقافة المنتشرة الخاطئة بيننا والتي ربما صدّقناها، وليس فقط صدّقناها بل أصبجنا نتحدث بها مع الآخرين ونرويها كأنها مسلّمة عليهم أيضاً هم تصديقها والإيمان بها .
الصورة الأولى : " النعم زوّالة"
طبعاً هو يقول هذا المثل الذي ردّده الآباء والأجداد بمعناه السلبيّ وهو أنّ النعمة ستزول وسنكون في وضع سيّء وسنجلس نتفكّر ونتذكّر أيّام النعم ونتحسّر لأننا فرطنا بها، مع أنّ الله عزّ وجلّ يقول " وإذ تأذّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنّكم" وأنا أقول أنّ النعم دوّامة، النعم تدوم وتدوم تدوم، تدوم بالشكر بل تزيد وتتضاعف وتتعاظم، إذن من أين جاءتنا هذه الصورة السلبيّة أن النعم زوّالة؟ من ثقافة مجتمعنا التي تفكّر دائماً بالنقص ولا تفكّر بالتمام، ما أثر هذه الأمثلة على حياتنا وكياننا؟ تجعلنا في حالة هلع، وخوف، بل يصبح تفكيرنا مبرمجاً على االمفقود، وعدم القدرة على الاستمتاع بالموجود.
لو طلبت منكم في هذا الصباح الجميل أن تتخيّلوا مجرد خيال أنّ أمامك قنينة ماء 2 لتر لكنها فارغة وطلبت منك أن تتخيّل أنّ هذه القنينة دخلت فيها دجاجة وزنها 700 غرام فقط، مجرد خيال، هل تقبل إدخالها؟، الجواب نعم معظم الناس سيقبل إدخالها في القنينة، الآن وقد استقرّت الدجاجة في القنينة قم بإخراجها ولكن بشرطين أن لاتكسر القنينة، ولا تموت الدجاجة كيف ستخرجها؟ ستقول لي: كما أدخلتها سأخرجها سأقول لك : أنت قبلت إدخالها لكنني أنا لم أقبل .. فكيف ستخرجها ؟ حياتنا أخي الكريم كذلك ماتقبله من أفكار، أمثلة، قصص، ستتحول لصور ذهنية في عقلك، وهذه الصور ستشكّل حياتك وتتحكم بتصرّفاتك.
إذن النعم تدوم بالشكر، فلا تخشى شيئاً ولا تقلق ولا تتوتر، فرزقك معلومٌ محدّد من الله "وفي السماء رزقكم وماتوعدون" فقط اسعى له، وتحرّك، وكافح، وكابد، وابذل لكي تحقق ماتريد من مال ورزق "فالسماء لاتُمطر ذهباً"، استمتع بحياتك، وتحرّر من هذا القيد قيد الرزق هو عند الله المطلوب منك أن تسعى له، وقيد الخوف من ذهابه تمتّع به واسعى لتطوير وضعك المالي ودع عنك هذا القيد الوهمي فالنعم تدوم بالشكر فاشكر الله على نعمه، توقّف من اليوم عن تكرار هذا المثال وإن كنت لابدّ قائل فلتقل " النعم دوّامة بالشكر"، الفظ من عقلك هذا الفيروس نظّفه من هذه المخاوف تسعد بحياتك.
يتبع ..
د.خالد محمد المدني
خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة
رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO
دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا
للتواصل مع الدكتور خالد المدني





الجمعة، 7 ديسمبر 2018

تحرر من قيودك (4) / د.خالد المدني


من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
تحرّر من قيودك (4)


في التدوينة السابقة تحدثت عن أوّل مصدر من مصادر القيود الذهنيّ في حياتنا وهي " المعلومة الخاطئة"، وفي هذه التدوينة أتحدث عن المصدر الثاني من مصادر القيود وهي : الخبرة السّابقة.
في كثير من الأحيان يكون سبب القيد الذهنيّ الذي في عقلك سببه خبرة سابقة أُسيء تفسيرها واستخلاص المعنى الحقيقي لها، خُذ على سبيل المثال لا الحصر خبرة زواج فاشلة، انتهت بالانفصال فتجد الزوج يصف هذه الخبرة قائلاً: كلّ النساء سيّئات ولئن أبقاني الله حياً لن أرتبط بأنثى بزواج مادمتُ على قيد الحياة، وهي تقول كلّ الرجال خسيسين، خائنون، ولئن ابقاني الله على قيد الحياة لن أتزوّج مرّة ثانية، وسؤالي هو: هل جرّب كلّ النساء ليحكم هذا الحكم، وهل جرّبت كلّ الرجال لتُصدر هذا الحكم؟ هل المشكلة في الزواج أم أين تكمن المشكلة؟ سنفهم بعد قليل أين تكمن المشكلة؟ مثال آخر: رجلٌ خسر كلّ أمواله في تجارة فيقول لنفسه: أنا فاشلٌ أصلاً في كلّ حياتي، أنا لا أصلح للتجارة، أنا مقرود لا حظّ لي، فهل المشكلة فيه أم في التجارة أم في ماذا؟ سنفهم بعد قليل، مثال ثالث: امرأة فُصلت من وظيفتها فرأت ذلك فشلاً في مسيرة حياتها، ووصفت نفسها بأنها فاشلة وأنها لاتصلح لأيّ عمل قادم فستُفصل كما فُصلت سابقاً، فهل المشكلة فيها؟ أم في رئيسها وعملها؟ أم في الحدث ذاته، الآن سنفهم .
ينبغي أن تعرف وتعلم أخي الكريم، أختي الكريمة أنّ كلّ مايحصل لنا ومعنا هي أحداث تقع في العالم الخارجي، وأنّ العالم مسرح يعرض لك القدر ولا يفرض عليك استجابة معيّنة، لكنّ مايحصل مع كثير من الناس هو سوء تفسير وسوء قراءة لأحداث الحياة لأنّ أحداث الحياة ليست موجّهة ضدّك ولا معك هي محايدة، لكنّ التفسير الذي نضعه نحنُ لهذه الأحداث هو الذي سيكون معنا أو ضدّنا، كيف فسّر شيخ الاسلام ابن تيمية السجن بأنّه خلوة؟، وكيف رأى نيلسون مانديلّا وهو في السجن الحرّاس الذين وضعوا عليه رقباء يحسبون كلماته وأنفاسه بأنّهم حُرّاس شرف؟ ، وكيف فسّرت تماضر بنت عمرو الملقّبة بالخنساء موت أخيها صخراً بأنّه كارثة، ثمّ موت أربعة من أبنائها بعد إسلامها في معركة القادسيّة بأنّه شهادة وعزّ وكرامة؟، إنّه التفسير المعنى الذي نستخلصه من الحدث.
كيف نفسّر تفسيراً خاطئاً ؟ وكيف نضبط التفسير الخاطيء؟
المسألة بسيطة وعلاجها أيضاً بسيط، من خلال الخطوات التالية ستعرف كيف يقع التفسير الخاطيء؟ وكيف تستطيع ضبطه؟ دعونا أولاً نتعرّف على سلسلة الحدث وأين يقع الخلل؟




لاحظوا السلسلة السابقة، أيّ حدث في الحياة يمرّ بخطوتين رئيسيتين :
الأولى : التفسير، وتكوين صورة ذهنيّة لهذا الحدث.
ثانياً : اختيار الاستجابة .
كيف سنضبط التفسير إذن بنفس الخطوات لكننا سنضيف خطوتين فارقتين :





عندما يقع الحدث الذي تراه سلبياً في العالم الخارجي يجب أن تعلم أنّ الإنفعال هو الذي يقود التفسير لأنه حينها يكون الانفعال السلبي كالتوتر أوالقلق أوالحزن قاد التفكير وسيطر عليه ـ الانفعال يكون حسب نوع الخبرة التي حدثت فإن كانت وفاة سيكون حزن، وإن كان خوف من اختبار سيكون قلق وهكذا ـ إذا وقع الحدث السلبي فالأولوية هنا هو ضبط الانفعال حتى لايؤثّر على التفسير، ويتمّ ضبط الانفعال بأن تقول أنا اخترت هذا الشعور " القلق أو الحزن أو التوتر"، والهدف من قول هذه العبارة هو أن تتقبّل مشاعر طبيعية مرافقة للحدث السلبي، ثمّ التفريغ بحركة أنا شخصياً أُسمي هذه الخطوة بخطوة " فاصل وواصل"، فاصل عن التفسير واتخاذ القرار حتى يهدأ الإنفعال، ونواصل بعد ذلك لاتخاذ لوضع التفسير المناسب، واتخاذ القرار، والحركات أنواع ولكلّ موقف حركته المناسبة، فالمشي حركة، والرياضة حركة، والصلاة حركة، والدعاء حركة، وأنت أعلم بحركاتك التي تضبط انفعالاتك، وإذا استمرّ الانفعال تستمرّ الحركة، وكلّما كان الانفعال عاليًا تكون الحركة أشدّ، بعض الانفعالات قد تستمر شهر كانفعال فقد عزيز فتستمرّ الحركة لحين زوال الانفعال، بعد ذلك بعد أن يهدأ الإنفعال اجلس مع ذاتك جلسة حوار جلسة حبيب مع حبيب، فلا جلد للذّات ولا تأنيب ضمير، ولا نقد للذات، ولا بكاء على الماضي، ولا انشغالٌ بالآخر ، وهنا أضمن لك إذا نفّذت الخطوتين السابقتين بإتقان تستطيع تفسير الحدث بطريقة عقلانية لا عاطفية ، فستتحاور مع نفسك وتقول : هذا حدث وأحداث الحياة ليست موجهة لي ولا ضدّي، والخيرة فيما اختاره الله، وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم ، ماحدث حدث انقضى الأمر وانتهى مادام الكيان سليمًا فهذا حدث وسأستطيع التعامل معه واختيار الاستجابة المناسبة ، الآن ماذا ينبغي عليّ فعله نحن أبناء اليوم، وتبدأ حينها تركز على الخيارات والبدائل والأفعال التي تعملها في العالم الخارجي لتعيد الاتزان لذاتك، والاستمتاع بحياتك.
.. يتبع ..
د.خالد محمد المدني
خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة
رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO
دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا
للتواصل مع الدكتور خالد المدني