الجمعة، 27 أكتوبر 2017

كيف أفهم ذاتي وأُعيد التوازن لها ؟ (5) / الدكتور خالد بن محمد المدني

من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
نظرية الاختيار  (5)
تحدثت في التدوينة السابقة عن الرؤية الإجمالية والرؤية التفصيليّة، وفي هذه التدوينة أواصل الحديث عن التخيّل البصري

ـ التخيّل البصري
يوجد كذلك طريقتين لتخيل الصور، وهذا يتوقف على طريقة الرؤية كما سبق وأن ذكرنا، إما تفصيلية أو إجمالية، فالطريقة التى نرى ونتذكر بها الصور مسئولة تماماً عن أسلوب تخيلنا لهذه الصور، فالأشخاص الذين يتخيلون بشكل إجمالي يستطيعون رؤية الخطوط العريضة للمشهد، ولكن بدون تفاصيل واضحة، وقد يحزنهم عدم قدرتهم على تخيل التفاصيل، أما الأشخاص الذين يتخيلون التفاصيل فيمكنهم رؤية مساحة صغيرة غنية بالتفاصيل ولا يستطيعون رؤية الصورة كاملة بتفاصيلها، فهم فقط يستطيعون رؤية جزء من الصورة وقد يحزنهم عدم قدرتهم على رؤية المشهد بالكامل، ويلعب التخيل البصري دوراً حيوياً في النمو المعرفي للإنسان، وهو مفتاح التقدم في الميادين التقنية، ولكن حتى الآن لا يزال كثيراً من الناس محدودي القدرة على التخيل البصري، كثيراً ما يستخدم العلماء والمهندسين الرسوم التخطيطية لتساعدهم في عملية التخيل البصري، فهم ينظرون إلى المخطط ويختزنوه في ذا كرتهم، ويقوموا بعمل تغييرات في الصورة ثم بسرعة يرسمون هذا التغيير، ثم يختزنون التغير كخبرة ويعيدوا تكرار العملية مراراً، وبمجرد أن يتم تخيل الفكرة، عندئذ يتم تخزينها كخبرة، وبعض العلماء العظام لديهم قدرات خارقة على التخيل الصوري، فالعالم الفيزيائي إينشتاين على سبيل المثال كان قادراً على التخيل الصوري حيث شرح بالرسوم ما قام بعمله عندما تخيل ما يمكن أن يحدث إذا انطلق بنفسه ممتطياً صهوة شعاع ضوئي يجوب الفضاء، ويعد Nicoli Tessala  أحد العلماء العباقرة في هذا الجيل، وهو أحد الذين تفوق قدراتهم كل العلماء المعاصرين، وقد اخترع أشياء لم يستطع أحد تكرارها حتى الآن، وقدم اسهامات علمية لم يكن ليفكر فيها أحد من قبل، ويمتلك   Tessala قدرة فائقة على تخيل وبناء ماكينة في عقله (يقوم بتشغيلها) ويدعها ويعمل ثم يتركها لفترة زمنية (ستة أشهر مثلاً) تحت التشغيل ويعود إليها بعد ذلك ليتفقد الأجزاء التي تحتاج للاستبدال أو الأجزاء التالفة منها، والتخيل الصوري مهم للغاية في قراءة وحل مسائل الرياضيات ومهم للغاية كذلك في كل مناحي النشاط الإنساني تقريباً ولسوء الحظ نحن نعيش في عصر تتآكل فيه قدرات أفراد المجتمع على التخيل الصوري بسرعة كبيرة، وأحد الأسباب الرئيسة لهذه الظاهرة هو ما يقوم به التليفزيون من تدمير لقدرات الناس على التخيل الصوري، لأنه يقدم مشاهد صورية جاهزة، ولا يحتاج الأطفال لتشغيل مخيلتهم عند التعرض له، فلديهم كل الصور التي يحتاجونها، أما الأجيال السابقة التي نشأت مع الراديو تحفزت مخيلاتهم على الابداع الصوري، فعندما يستمعون للراديو يصنعون في أدمغتهم سيناريو فيلمي يجسد ما يستمعون إليه، القراءة كذلك يمكنها تحفيز التخيل الصوري، فالقراءة التي هي إحدى أهم الأسس للكثير من المهارات تحفز الخيال على خلق فيلم في الدماغ يمثل مايتم قراءته، وأحد أسباب ما يلاقيه الأطفال من صعوبات أثناء قراءتهم هو أنهم لم يتعلموا كيفية خلق هذه الأفلام في مخيلاتهم، وبدلاً من ذلك هم يتعلمون كيفية نطق الكلمات، والتلفظ بالكلمات لا يجعل للقراءة معنى عند الأطفال، ولكن تتحقق المعاني عندما يمرون على الكلمات فيخلقون من خلالها أفلاماً في أدمغتهم تتضمن ما تجسده هذه الكلمات أو تقدمه لهم، وأحد أسباب المشاكل التي تواجه الناس في مسألة التذكر هو أنهم لا يصنعون صوراً،  فمن السهل تذكر المعلومات من خلال تصويرها، وهذا هو السبب في أن معظم الناس يستطيعون تذكر الحكايات بشكل جيد، والذين ينجحون في تذكر المواد التقنية هم الذين أوجدوا طريقة لترجمتها إلى نوع من الصور أو الرسوم التوضيحية أو المخططات التي يمكنهم تذكرها صورياً. وقدرتهم على التذكر ليس لها علاقة وطيدة بقدرتهم على الاستدعاء ولكن علاقتها الوطيدة مع قدرتهم على ترجمة المعلومات في شكل صور، التخيل الصوري هو أحد أهم مفاتيح التعليم، وطريقة تطوير ذلك تأتي بالعمل مع الأطفال من خلال القراءة لهم ثم نتركهم ليصنعوا أفلاماً حول ما سمعوه، لذلك ندعهم يستمعون إلى الراديو لبناء تخيلات مصورة في أدمغتهم حول ما سمعوه، وعباقرة البشر يستطيعون أن يفعلوا أشياء معينة بالصور الموجودة في عقولهم ولا يستطيع غيرهم من البشر فعل ذلك. وكثير من العلماء المبدعين يستطيعون تقسيم شاشة للعرض في عقولهم بحيث يشغلون في كل جزء منها فيلم مختلف ويشاهدون الأفلام جميعها في الوقت نفسه، بل ويتمكن بعضهم من تقديم مشاهد فيلم معين أو إرجاع أخرى بسرعات مختلفة، وهذه المقدرة تمكن العلماء من الوصول لفروقات تفصيلية بين الأشياء بسرعة فائقة، كما تسمح لهم بتحديد بالغ الكفاءة لأوجه الشبه والاختلاف، وكثير من العباقرة لديهم القدرة على القيام بمثل هذه العمليات أو حتى القيام بما هو أعقد منها داخل عقولهم، كثير ممن نطلق عليهم تسمية «المعاقين ذهنياً» لم تنمو قدراتهم على التعامل بفاعلية مع لغة الحواس، نلخّص القدرة على التخيّل بتفاصيل ورؤية المستقبل بتفاصيل تنمّي العبقرية عند الأفراد، وإذا أردت أن تنمي العبقرية لديك أو لدى أطفالك فهناك الكثير من الأنشطة والتمارين التي سأذكرها لك الآن لعمل ذلك :
1)      لعبة الفروق السبعة من أفضل الألعاب لتنمية النظر التفصيلي وتخزين الخبرة بطريقة تفصيلية .
2)      لعبة الي تلمسه الكرة يطلع برّه، والتي يجتمع فيها مجموعة من الأفراد من 10 - 12 وبينهم كرة قدم، والذي تصيبه الكرة يخرج خارج اللعبة، تنمي النظر التفصيلي والإجمالي، وكذلك التفكير المنطقي لأنه سيخمن اتجاه الكرة.
3)      عجلة الألوان التي توجد لدى بائعي الأصباغ ممكن أن تدرب عقلك على تدرجات الألوان، وتدرب أبنائك أيضًا عليها، هذه الطريقة تنمي البصر الفروقي ترى الفروق الدقيقة بين الألوان، ثم تبدأ تسأل أطفالك عنها في الحياة، فإن شاهدت معهم سيارة اسألهم مالون هذه السيارة؟ هناك طريقة كنت أعملها مع أبنائي زادت لديهم طبيعة الفروق البصري مع التخيّل الفروقي، أروي لهم قصة مجازية فيل مع أرنب، ثمّ أثناء القصة أسألهم مالون الفيل؟ طويل أم قصير؟ من يصف لي خرطومه، عاجه؟ وهكذا أسأل بالتفاصيل فيروون لي بالخيال بالتفاصيل، ثم أسأل عن الأرنب، وهكذا، مرة أخرى إذا خزنت الخبرة بالتفاصيل فسوف تسترجعها بالتفاصيل فكأني كنت أعمل معهم التالي:
ـ أسترجع الأحداث في الخيال إلى الحاضر فكأنه يرى الفيل الآن،
ـ يصف هذا الفيل وذاك الأرنب بالتفاصيل فكأني أعدت له تصوير الخبرة من جديد.
ـ سوف يتذكرها مستقبلاً بالتفاصيل، قدمنا مقدمة جيدة عن الحاسة البصرية لأنها المتعلقة معنا في الصور الذهنيّة.
.. يتبع ..

د.خالد محمد المدني

خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة

رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO

دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا

للتواصل مع الدكتور خالد المدني

ch@olto.org


الخميس، 19 أكتوبر 2017

كيف أفهم ذاتي وأُعيد التوازن لها ؟ (4) / الدكتور خالد بن محمد المدني

من مقالات الدكتور خالد محمد المدني

نظرية الاختيار  (4)


تحدثت في التدوينة السابقة مقدمة في الصور الذهنيّة، وفي هذه التدوينة أواصل الحديث ضمن سلسلة كيف أفهم ذاتي وأُعيد التوازن لها، في مابدأناه عن الصور الذهنيّة، مواصفاتها، ومميزاتها، ونجيب عن السؤال الذي طرحناه في ختام حديثنا في التدوينة السابقة وهو: ماذا نستفيد من معلومة الرؤية الإجماليّة والرؤية التفصيليّة.
أولاً : لك الخيار أن تسجل المعلومة التي تهمّك من العالم الخارجي بتفصيل أو بإجمال يعني تنظر نحو التفاصيل في الحدث أم تنظر نحو الحدث بشكل عام، لكن الحدث الذي التقط صورته بإجمال سوف تسترجعه بإجمال، والحدث الذي التقطّ صورته بتفصيل سوف تسترجعه بتفصيل، والخيار لك.
ثانياً: في حالة وضع الغايات أي الصور الذهنية نحو المستقبل فالأفضل أن ترى الصورة بتفاصيلها الدقيقة بل بأبعادها الثلاثة لأنّ ذلك يحفّزك نحو تحقيقها لأننا نعلم أنّ الصورة الذهنيّة أساس السلوك، والصورة الذهنية عندما تكون محددة وواضحة يتجه السلوك نحو تحقيقها.
ـ الحاسّة البصريّة والعالم الداخلي:
في عالمك الداخلي هناك نوعان من الإبصار :
1 ـ التذكر البصري
يتذكر الناس الصور سواء كانت أعينهم مفتوحة أو مغمضة، الإنسان عندما يتذكر صورة فهو إما أن ينظر لأعلى في اتجاه اليمين أو اليسار (حسبما تكون حالة استعماله لليد اليمنى أو اليسرى في الكتابة) أو أن ينظر أمامه في المنتصف مع التركيز أو قد يغمض عينيه، وهذه جميعاً أوضاع تأخذها العين عندما يتذكر الناس الصور، ودائماً ما يتسائل الناس عن السبب في أنهم لا يستطيعون تذكر التفاصيل المتماثلة في وضوحها لمن يراها من الخارج، أي لماذا عندما أتذكر شيئاً في الماضي لاأتذكره بنفس التفاصيل التي في الحدث نفسه، السبب وراء ذلك في لحظة تصوير الحدث، هل صورته بطريقة تفصيلية أم بطريقة إجماليّة فإن صورته بالتفاصيل سوف تسترجعه بالتفاصيل، وإن صورته بالإجمال سوف تسترجعه بالإجمال، وهذه إحدى الردود على من يعتقد أت ذاكرته ضعيفة، الذاكرة ليست لها علاقة العلاقة كل العلاقة بطريقة تصوير الحدث في العالم الخارجي هل تمّ بالتفصيل أم بالإجمال، ولدى البعض ذاكرة صورية قويّة، ويستطيعون تذكر تفصيلات هائلة عن الأشياء، والشخص الذي يمتلك ذاكرة صورية يمكنه النظر إلى صفحة مطبوعة بالكلمات و يكررها حرفياً كما كان يحدث مع الإمام الشافعي رحمه الله، ويستطيعون كذلك رؤية صورة ووصفها بكامل تفاصيلها، ويتساوى الناس كذلك، لماذا لا يستطيعون تذكر كل شيء؟ وهناك معلومة مهمة جداً يجب أن نعرفها بخصوص ذلك وهي: أنّ كل الخبرات التي يمتلكها الإنسان موجودة في دماغه في النظام السلوكي، ويمكن الوصول إليها تحت ظروف معينة وبتقنيات معينة، والاسترخاء هو أحد طرق الوصول كذلك، والسؤال الذي يجب أن يطرح في هذا المجال ليس لماذا لانستطيع تذكر الأشياء ولكن لماذا ننساها أصلاً؟ هناك عدة أسباب للنسيان:
1)      هو ورود معلومات جديدة متشابهة إلى حد بعيد مع معلومات مختزنة أصلاً، والناس يتذكرون الأشياء غير الاعتيادية أو الشاذة، وينسون الأشياء الروتينية المعتادة.
2)      لا يستطيع الإنسان نسيان الأشياء بدون أن يكون متذكراً لها من الابتداء، وجانب أساسي من التعلم هو أن يكون الإنسان لحظة تصوير الحدث متصلاً بالعالم الخارجي، فمعظم الوقت يقضيه الناس في الاتصال بذواتهم منفصلين عن العالم الخارجي، يمرون بأحلام اليقظة، يتخيلون، يتذكرون ما كان يجب عليهم أن يفعلوا في يوم ما أو يفكرون فيما يجب عليهم فعله في اليوم الثاني، فعقول الناس عادة في مكان آخر غير اللحظة الراهنة وهم ربما يتذكرون بدلاً عنها تلك الأشياء التي كانوا يتخيلونها وقت حدوث هذه الخبرة في العالم الخارجي، والناس لا يستطيعون تذكر الأشياء إذا كان انتباههم في مكان آخر وقت حدوث الخبرة التي يريدون تذكرها، جئت لمجمع الشاطيء مول أنت وعائلتك في عطلة نهاية الأسبوع لقضاء يوم جميل، أوقفت سيارتك، ونزلت مع عائلتك وقضيتم يوماً لايُنسى، وعند خروجكم من المجمع نسيت أن أين أوقفت سيارتك، وظللت ساعة تبحث عنها قبل أن تجدها، ألم يمرّ بك سيناريو مشابه..
 أخي الكريم .. أختي الكريمة، أكاد أجزم أنّ الكثير مرّ بهذا السيناريو، لماذا نسي مكان سيّارته؟ السبب بسيط لأنّ عقلك لحظة إيقاف السيارة في العالم الخارجي (مواقف المجمع) أي لحظة تصوير الحدث، كان عقله في مكان آخر أي لم يكن ملتفتاً للحدث، ولذلك نسي مكان إيقاف سيارته.
.. يتبع ..

د.خالد محمد المدني

خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة

رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO

دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا

للتواصل مع الدكتور خالد المدني

ch@olto.org

 




الجمعة، 13 أكتوبر 2017

كيف أفهم ذاتي وأُعيد التوازن لها ؟ (3) / الدكتور خالد بن محمد المدني


من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
نظرية الاختيار (3)

تحدثت في التدوينة السابقة عن صفات الإحتياجات عند وليم جلاسر، وتعرّفنا سوياً على هذه الصفات شرحاً وأمثلةً،  وفي هذه التدوينة أواصل الحديث ضمن سلسلة كيف أفهم ذاتي وأُعيد التوازن لها، عن الصور الذهنيّة، مواصفاتها، ومميزاتها.
سأتحدث بمقدمة قبل الدخول في مواصفات الصورة الذهنيّة كيف نلتقط الصورة الذهنيّة من المحيط الخارجي، الله سبحانه وتعالى خلقنا وأمدّنا بأكبر نعمة وهي بمثابة النوافذ والأبواب على العالم الخارجي وهي الحواس الخمس (البصر، والسمع، والشم، والذوق، واللمس)، وبعضهم أضاف حاسّة سادسة وهي الحركة، وبعضهم أضاف الإلهام، لكن في العموم البشر متفقون على أنها خمس حواس، دعونا نأخذ الحواس حاسّة حاسّة، ونفصّل الكلام حولها.
نحن نعيش في ثلاثة عوالم العالم الأوّل عالم المكان: وهو عالم البصر، والعالم الثاني هو عالم الزمان: وهو عالم السمع، والعالم الثالث: هو عالم الإحساس، وسنقتصر في الحديث عن العالم الأول: عالم البصر، لأنه موضوع تدوينتنا.
ـ الحاسّة البصريّة والعالم الخارجي:
البصر نوعان:
1 ـ بصر داخلي وهي الصور المتذكّرة، والصور المتخيّلة.
2 ـ بصر خارجي يسمى حقيقي.
البصر الداخلي المتذكّر مرتبط بالماضي، فلو قلت لك مثلاً تذكر صورة بيتكم وأنت طفل ستستجلب صورة من الماضي لأنها مخزنة في عقلك في النظام السلوكي، لكن لو قلت لك تذكر صورة هارون الرشيد لن تتذكرها لأنك لم ترى هارون الرشيد بل ستركّب له صورة متخيّلة، ويمثل الوعي بهذه الاختلافات مهماً جداً في تحقيق عملية جمع وتشفير ونقل الخبرات، لأنّ أحد المشكلات التي يعاني منها الكثير هو عيشهم المستمر، وارتباطهم بصور الماضي، والتي غالباً ماتجلب معها ذكريات حزينة، بينما الصور المتخيّلة مرتبطة بالمستقبل، وهنا يستطيع الفرد التلاعب الصور الذهنية، وإنشاء صوراً جميلة للمستقبل، كما صنع المنصور بن أبي عامر صورة حققها، وكما شكّل نيلسون مانديلاّ صورة وصل إليها، بينما ظلّ قيس يعيش صورة في الماضي جلبت له الدمار والاعتلال إلى أن قضت عليه، والنوع الثاني: البصر الخارجي وهو الذي من خلاله يستطيع الفرد المبصر رؤية العالم الخارجي، والعالم يمتلىء بأشياء مختلفة يمكن رؤيتها، ولن نركز هنا على محتوى ما يشاهده الإنسان بشكل خاص ولكن كذلك على طبيعة وشكل هذه المشاهدة، لأنّ هناك مايسمّى بخداع البصر أيضاً ترى شيئاً، ويظهر لك للوهلة الأولى شيء، وعندما تتمعّن به يظهر لك شيء آخر، وهناط طريقتان لرؤية الأشياء في العالم الخارجي:
الأولى: الرؤية التفصيليّة: تركز هذه الطريقة على رؤية الأشياء في العالم الخارجي بالتفاصيل الدقيقة.
الثانية: الرؤية الإجماليّة: وتركز هذه الطريقة على رؤية الأشياء في العالم الخارجي بطريقة إجماليّة، ويعود ذلك على الأرجح إلى طريقة كل من المخ الأيمن والمخ الأيسر في رؤية الأشياء، وكذلك إلى استخدام منطقتين مختلفتين من شبكية العين، سأذكر مثال ليتضح المقال: لو كنت تقود سيارتك في الطريق العام فإنّ عينيك غالباً ما تعمل بشكل إجمالي، فأنت في حقيقة الأمر لا تنظر إلى شيئ ما محدد بعينه ولكن عيناك تتجوّل بشكل تلقائي عبر ميدان واسع للرؤية من خلال زجاج السيارة، ومثل ما تكون عينيك غير مركزة على شيء معين بالتفصيل، فكذلك أنت غير مهتم بشيء معين بالتفصيل، وكل ما تحتاج إليه خلال عملية القيادة في مثل هذه الظروف هو معلومات إجمالية، فأنت تحتاج لرؤية ميدان واسع ولتلقي معلومات عنه لا يهم أن تكون تفصيلية، والآن لو  افترضنا أن هناك حصاة سقطت فجأة فكسرت زجاج سيارتك، في هذه الحالة ستختفي النظرة الإجمالية للطريق و كل ما ستركز اهتمامك عليه هو شكل التشققات التي حدثت في الزجاج المكسور وتغيب رؤية الميان الواسع، وهذا نوع مختلف من الرؤية يتناسب مع وصف مشهد صغير ممتليء بالتفاصيل، من رحمة الله بنا أنّ الرؤيتين الإجمالية والتفصيليّة تعملان بشكل متضاد تماماً ولكنهما متكاملتين في المهام، وليست هناك رؤية هي الأفضل دائماً، ولكن كل منهما يجيد أداء مهام معينة، ماهي مميزات كل نوع من الرؤيتين ؟
ـ مميزات الرؤية التفصيليّة:
1 ـ العين التي ترى بتفاصيل ممتازة إذا ما أردنا معرفة الكثير من المعلومات عن شيء صغير، فبرغم صغر مجال الرؤية إلا أنها ترى كم هائل من المحتوى البصري داخل هذا المجال.
2 ـ العين التفصيلية جيدة كذلك في رؤية حدود الضوء في الظلام (العين التفصيلية جيدة في رؤية الحدود الفاتحة فيما يناقضها من حدود معتمة أو غامقة)، وذلك لأنها تركز على الحدود الفاصلة بين الألوان المتباينة، أي تدرجات الألوان بدقّة وهذا ينعكس على المرونة العقليّة للأشخاص أصحاب القدرة على النظر التفصيلي.
ـ مميزات الرؤية الإجماليّة:
1 ـ الرؤية الإجمالية غير قادرة على التحديد ولكنها ترى العلاقات بين الأشياء.
2 ـ العين الإجمالية جيدة في استنباط الإيقاع والحركة.
ومن الطبيعي أن يميل الإنسان بشكل تفضيلي تجاه إحدى الطريقتين لرؤية الأشياء، ولكن الناس يستطيعون استعمال الطريقتين عند الحاجة لذلك، ولكنهم يفضلون إحداهما على الأخرى، وهذه التفضيلات نراها عندما يصف الناس مشهداً معيناً فترى البعض يصف المشهد بتفاصيل دقيقة وعجيبة، وآخرين يروون المشهد بإجمال ويقفزون عن أحداث مهمة، فلو شاهد إثنان حادثاً مرورياً، وكان تفضيل الأول التفصيل فسيرويه لك بأدق التفاصيل، ويرويه الثاني الإجمالي بتفاصيل قليلة جداً بل محدودة، والسؤال الأهم ماذا نستفيد من هذه المعلومة في موضوع كتابنا الصور الذهنية؟
هذا ماسنتحدث عنه في التدوينة القادمة بمشيئة الله ..
.. يتبع ..

د.خالد محمد المدني

خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة

رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO

دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا

للتواصل مع الدكتور خالد المدني

ch@olto.org




الجمعة، 6 أكتوبر 2017

كيف أفهم ذاتي وأُعيد التوازن لها ؟ (2) / الدكتور خالد بن محمد المدني

من مقالات الدكتور خالد محمد المدني


نظرية الاختيار (2)




تحدثنا في التدوينة السابقة عن الحاجات النفسيّة الأساسيّة الخمس التي تحدث عنها مبتكر نظرية الإختيار والعلاج الواقعي الطبيب النفسي الدكتور وليم جلاسر، وفي هذه التدوينة أواصل الحديث ضمن سلسلة كيف أفهم ذاتي وأُعيد التوازن لها، وفي تدوينة هذا الأسبوع سأتحدث عن صفات الحاجات الخمس الأساسية لدى جلاسر وهي:
ü      الحاجة للبقاء.
ü      الحاجة للإنتماء.
ü      الحاجة للقوّة.
ü      الحاجة للحريّة.
ü      الحاجة للترويح.
للحاجات عدّة صفّات نذكرها فيما يلي:
1)      نقص الحاجات هو المصدر الرئيسي لكل سلوك:
مامن حركة، ولا فعل، ولا سلوك، ولا تفكير، ولا انفعال إلاّ كان مصدره نقصٌ في الحاجة، فإذا نقصت الحاجة اختلّ التوازن فيتداعى الجسد كلّه لإشباع تلك الحاجة فيبحث في العالم الخارجي عن تلك الحاجة المطلوبة، ويسعى للوصول، والحصول عليها فإن حصل عليها وأُشبعت تلك الحاجة بالسلوك عاد الإتزان للشخص، وإلاّ سيستمر الاختلال، ويزيد.
2)      الحاجات توجد عند كل الناس بكل الأعمار منذ الولادة:
كالحاجة للبقاء، وتنمو الحاجات الأخرى، إذن جميع الحاجات الخمس فطريّة مولودة، إلاّ أنّ الحاجة للبقاء أفعالها مبرمجة بسبب أنّ الفرد يتعلمها منذ الولادة، وبقية الحاجات تنمو أفعالها بالخبرات التي يكتسبها في حياته.
3)      جميع الحاجات فطريّة:
جميع البشر لديهم نفس الحاجات، لكنّ طرق إشباعها مختلفة من شخص لآخر، فقد يشبع الحاجة للبقاء عندي طبق رز ودجاج، وقد يشبع الحاجة للبقاء عند غيري طبق سوشي، وقد يختلف من زمن إلى زمن  آخر فالذي كان يجذبني ويشبعني من الطعام عندما كنتُ شاباً قد لايجذبني، ولا يُشبعني الآن فعلى سبيل المثال عندما كنتُ في الثانوية العامة كان طبق المكرونة مع الدجاج هو طبقي المفضّل الذي أشعر بعده بالاتزان والروقان، الآن لايأتي على بالي، وحلّ محلّه طبقاً من الرز والبازيلاء وعليه لحماً مفروماً.
4)      الحاجات متداخلة:
قد تتداخل الحاجات فعلى سبيل المثال في صيام شهر رمضان المبارك يشعر الصائم بالجوع، فتنقص عنده الحاجة للبقاء، لكنه يستمر في الصيام لأنّ الحاجة للإنتماء ( العبادة)، أيضًا نقصت، فيقرر الصيام، ويعيد ترتيب أولوياته في الإشباع، ثم يُشبع حاجته إلى البقاء بعد مدفع الإفطار، وهذا من جمال الدين، وكماله أنّه يعلمنا كيف نرتّب أولوياتنا في الحاجات ماذا أُشبع أولاً ثمّ ماذا ؟
5)      الحاجات متضاربة:
الحاجات أيضًا قد تتضارب، فعلى سبيل المثال قد تنقص الحاجة للإنتماء عند  شخص فيرى أنّ إشباعها بالزواج، وقد يُشبع عنده الزواج حاجة أخرى أيضاً وهي القوّة المتمثّلة بالأبناء، لكنّ الزواج الذي أشبع لديه الإنتماء والقوّة، وربما الترويح قد يُنقص لديه الحريّة، فتضاربت الحاجة للحريّة مع الحاجة للإنتماء، والقوّة، والترويح، والواعي هو من يدير هذا الصراع، بينما الغافل قد يمزّقه هذا الصراع.
6)      تختلف أولويات إشباع الحاجات عند الشخص الواحد:
فعندما تتضارب حاجتان كما ذكرت قبل قليل فإنّ الإنسان هو الذي يختار أيّهما يشبع أولاً، من الأولى بالإشباع، البقاء أم الإنتماء؟ في مثال الصيام، كما ذكرت الواعي يدير أولوياته، والغافل ليس لديه أولويات أصلاً.
7)      يكون الإحساس بنقص الحاجة بالشعور بالرغبات التي يشبعها حسب خبرات الشخص:
المقصود بهذا العبارة هي كيف تعرف أنّ لديك نقصٌ في الحاجة؟ لاتستطيع أن تعرف إلاّ بتشكّل الصورة الذهنيّة،  وبإحساسك بوجود اختلال في توازنك، واعتلال في سلوكك، الأول (تشكّل الصورة الذهنيّة) معنوي والثاني  (اختلال التوازن في السلوك) حسّي.
نقاط هامّة :
·         إذا نقصت الحاجة لدى الشخص فإنّ جسده يختلّ، ويعتلّ فيتداعى الكيان بأكمله في العالم الخارجي لإشباع هذه الحاجة التي نقصت فإن أُشبعت عاد الكيان إلى توازنه، وإن لم تُشبع زاد الاختلال والاعتلال في السلوك.
·         حياتنا بين قطبين بين نقص وإشباع ككفتيّ الميزان، والميزان يعتدل، ويميل فإن اعتدل توازن الشخص، وإن مال اختلّ فسعة لإعادة التوازن لهذا الكيان
·     يجب أن نفرح بهذا الإختلال لا أن تجزع منه ونخاف، لأنّ الإعتلال مؤشّر صحّة، وليس مرض أي أنّ هناك شيئاً يحتاج لتعديل، هذا أولاً، ونفرح ثانياً لأننا في السابق كنّا غافلين لانعرف كيف نُعيد توازننا لذواتنا أمّا الآن فقد عرفنا.
·         الميزان لن يعتدل 100% بل سيعتدل 80 أو 90 أو 95%، وهنا تاتي نظرة الإنسان للأمور فالناس الجامدين يريدون الأمور 100%، وهذا لن يكون بينما المرنين، ينظرون لهذه الأمر نظرة واعية، ويعلمون أنّ الميزان لن تتساوى كفّتاه تماماً، هكذا هي الحياة، وهكذا ارادها الله .
يتبع ..

 د.خالد محمد المدني

خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة

رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO

دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا

للتواصل مع الدكتور خالد المدني

ch@olto.org