من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
نظرية
الاختيار (2)
تحدثنا
في التدوينة السابقة عن الحاجات النفسيّة الأساسيّة الخمس التي تحدث عنها مبتكر
نظرية الإختيار والعلاج الواقعي الطبيب النفسي الدكتور وليم جلاسر، وفي هذه
التدوينة أواصل الحديث ضمن سلسلة كيف أفهم ذاتي وأُعيد التوازن لها، وفي تدوينة
هذا الأسبوع سأتحدث عن صفات الحاجات الخمس الأساسية لدى جلاسر وهي:
ü الحاجة للبقاء.
ü الحاجة للإنتماء.
ü الحاجة للقوّة.
ü الحاجة للحريّة.
ü الحاجة للترويح.
للحاجات عدّة صفّات نذكرها فيما
يلي:
1)
نقص الحاجات هو المصدر الرئيسي لكل سلوك:
مامن حركة، ولا فعل، ولا سلوك، ولا
تفكير، ولا انفعال إلاّ كان مصدره نقصٌ في الحاجة، فإذا نقصت الحاجة اختلّ التوازن
فيتداعى الجسد كلّه لإشباع تلك الحاجة فيبحث في العالم الخارجي عن تلك الحاجة
المطلوبة، ويسعى للوصول، والحصول عليها فإن حصل عليها وأُشبعت تلك الحاجة بالسلوك
عاد الإتزان للشخص، وإلاّ سيستمر الاختلال، ويزيد.
2)
الحاجات
توجد عند كل الناس بكل الأعمار منذ الولادة:
كالحاجة
للبقاء، وتنمو الحاجات الأخرى، إذن جميع الحاجات الخمس فطريّة مولودة، إلاّ أنّ
الحاجة للبقاء أفعالها مبرمجة بسبب أنّ الفرد يتعلمها منذ الولادة، وبقية الحاجات
تنمو أفعالها بالخبرات التي يكتسبها في حياته.
3)
جميع
الحاجات فطريّة:
جميع
البشر لديهم نفس الحاجات، لكنّ طرق إشباعها مختلفة من شخص لآخر، فقد يشبع الحاجة
للبقاء عندي طبق رز ودجاج، وقد يشبع الحاجة للبقاء عند غيري طبق سوشي، وقد يختلف
من زمن إلى زمن آخر فالذي كان يجذبني ويشبعني
من الطعام عندما كنتُ شاباً قد لايجذبني، ولا يُشبعني الآن فعلى سبيل المثال عندما
كنتُ في الثانوية العامة كان طبق المكرونة مع الدجاج هو طبقي المفضّل الذي أشعر
بعده بالاتزان والروقان، الآن لايأتي على بالي، وحلّ محلّه طبقاً من الرز
والبازيلاء وعليه لحماً مفروماً.
4)
الحاجات
متداخلة:
قد
تتداخل الحاجات فعلى سبيل المثال في صيام شهر رمضان المبارك يشعر الصائم بالجوع،
فتنقص عنده الحاجة للبقاء، لكنه يستمر في الصيام لأنّ الحاجة للإنتماء ( العبادة)،
أيضًا نقصت، فيقرر الصيام، ويعيد ترتيب أولوياته في الإشباع، ثم يُشبع حاجته إلى
البقاء بعد مدفع الإفطار، وهذا من جمال الدين، وكماله أنّه يعلمنا كيف نرتّب
أولوياتنا في الحاجات ماذا أُشبع أولاً ثمّ ماذا ؟
5)
الحاجات
متضاربة:
الحاجات
أيضًا قد تتضارب، فعلى سبيل المثال قد تنقص الحاجة للإنتماء عند شخص فيرى أنّ إشباعها بالزواج، وقد يُشبع عنده
الزواج حاجة أخرى أيضاً وهي القوّة المتمثّلة بالأبناء، لكنّ الزواج الذي أشبع
لديه الإنتماء والقوّة، وربما الترويح قد يُنقص لديه الحريّة، فتضاربت الحاجة
للحريّة مع الحاجة للإنتماء، والقوّة، والترويح، والواعي هو من يدير هذا الصراع،
بينما الغافل قد يمزّقه هذا الصراع.
6)
تختلف
أولويات إشباع الحاجات عند الشخص الواحد:
فعندما
تتضارب حاجتان كما ذكرت قبل قليل فإنّ الإنسان هو الذي يختار أيّهما يشبع أولاً،
من الأولى بالإشباع، البقاء أم الإنتماء؟ في مثال الصيام، كما ذكرت الواعي يدير
أولوياته، والغافل ليس لديه أولويات أصلاً.
7)
يكون
الإحساس بنقص الحاجة بالشعور بالرغبات التي يشبعها حسب خبرات الشخص:
المقصود
بهذا العبارة هي كيف تعرف أنّ لديك نقصٌ في الحاجة؟ لاتستطيع أن تعرف إلاّ بتشكّل
الصورة الذهنيّة، وبإحساسك بوجود اختلال
في توازنك، واعتلال في سلوكك، الأول (تشكّل الصورة الذهنيّة) معنوي والثاني (اختلال التوازن في السلوك) حسّي.
نقاط هامّة :
·
إذا
نقصت الحاجة لدى الشخص فإنّ جسده يختلّ، ويعتلّ فيتداعى الكيان بأكمله في العالم
الخارجي لإشباع هذه الحاجة التي نقصت فإن أُشبعت عاد الكيان إلى توازنه، وإن لم
تُشبع زاد الاختلال والاعتلال في السلوك.
·
حياتنا
بين قطبين بين نقص وإشباع ككفتيّ الميزان، والميزان يعتدل، ويميل فإن اعتدل توازن
الشخص، وإن مال اختلّ فسعة لإعادة التوازن لهذا الكيان
· يجب
أن نفرح بهذا الإختلال لا أن تجزع منه ونخاف، لأنّ الإعتلال مؤشّر صحّة، وليس مرض أي
أنّ هناك شيئاً يحتاج لتعديل، هذا أولاً، ونفرح ثانياً لأننا في السابق كنّا
غافلين لانعرف كيف نُعيد توازننا لذواتنا أمّا الآن فقد عرفنا.
·
الميزان
لن يعتدل 100%
بل سيعتدل 80
أو 90
أو 95%،
وهنا تاتي نظرة الإنسان للأمور فالناس الجامدين يريدون الأمور 100%، وهذا لن يكون بينما المرنين، ينظرون لهذه الأمر
نظرة واعية، ويعلمون أنّ الميزان لن تتساوى كفّتاه تماماً، هكذا هي الحياة، وهكذا
ارادها الله .
يتبع
..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق