الجمعة، 7 ديسمبر 2018

تحرر من قيودك (4) / د.خالد المدني


من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
تحرّر من قيودك (4)


في التدوينة السابقة تحدثت عن أوّل مصدر من مصادر القيود الذهنيّ في حياتنا وهي " المعلومة الخاطئة"، وفي هذه التدوينة أتحدث عن المصدر الثاني من مصادر القيود وهي : الخبرة السّابقة.
في كثير من الأحيان يكون سبب القيد الذهنيّ الذي في عقلك سببه خبرة سابقة أُسيء تفسيرها واستخلاص المعنى الحقيقي لها، خُذ على سبيل المثال لا الحصر خبرة زواج فاشلة، انتهت بالانفصال فتجد الزوج يصف هذه الخبرة قائلاً: كلّ النساء سيّئات ولئن أبقاني الله حياً لن أرتبط بأنثى بزواج مادمتُ على قيد الحياة، وهي تقول كلّ الرجال خسيسين، خائنون، ولئن ابقاني الله على قيد الحياة لن أتزوّج مرّة ثانية، وسؤالي هو: هل جرّب كلّ النساء ليحكم هذا الحكم، وهل جرّبت كلّ الرجال لتُصدر هذا الحكم؟ هل المشكلة في الزواج أم أين تكمن المشكلة؟ سنفهم بعد قليل أين تكمن المشكلة؟ مثال آخر: رجلٌ خسر كلّ أمواله في تجارة فيقول لنفسه: أنا فاشلٌ أصلاً في كلّ حياتي، أنا لا أصلح للتجارة، أنا مقرود لا حظّ لي، فهل المشكلة فيه أم في التجارة أم في ماذا؟ سنفهم بعد قليل، مثال ثالث: امرأة فُصلت من وظيفتها فرأت ذلك فشلاً في مسيرة حياتها، ووصفت نفسها بأنها فاشلة وأنها لاتصلح لأيّ عمل قادم فستُفصل كما فُصلت سابقاً، فهل المشكلة فيها؟ أم في رئيسها وعملها؟ أم في الحدث ذاته، الآن سنفهم .
ينبغي أن تعرف وتعلم أخي الكريم، أختي الكريمة أنّ كلّ مايحصل لنا ومعنا هي أحداث تقع في العالم الخارجي، وأنّ العالم مسرح يعرض لك القدر ولا يفرض عليك استجابة معيّنة، لكنّ مايحصل مع كثير من الناس هو سوء تفسير وسوء قراءة لأحداث الحياة لأنّ أحداث الحياة ليست موجّهة ضدّك ولا معك هي محايدة، لكنّ التفسير الذي نضعه نحنُ لهذه الأحداث هو الذي سيكون معنا أو ضدّنا، كيف فسّر شيخ الاسلام ابن تيمية السجن بأنّه خلوة؟، وكيف رأى نيلسون مانديلّا وهو في السجن الحرّاس الذين وضعوا عليه رقباء يحسبون كلماته وأنفاسه بأنّهم حُرّاس شرف؟ ، وكيف فسّرت تماضر بنت عمرو الملقّبة بالخنساء موت أخيها صخراً بأنّه كارثة، ثمّ موت أربعة من أبنائها بعد إسلامها في معركة القادسيّة بأنّه شهادة وعزّ وكرامة؟، إنّه التفسير المعنى الذي نستخلصه من الحدث.
كيف نفسّر تفسيراً خاطئاً ؟ وكيف نضبط التفسير الخاطيء؟
المسألة بسيطة وعلاجها أيضاً بسيط، من خلال الخطوات التالية ستعرف كيف يقع التفسير الخاطيء؟ وكيف تستطيع ضبطه؟ دعونا أولاً نتعرّف على سلسلة الحدث وأين يقع الخلل؟




لاحظوا السلسلة السابقة، أيّ حدث في الحياة يمرّ بخطوتين رئيسيتين :
الأولى : التفسير، وتكوين صورة ذهنيّة لهذا الحدث.
ثانياً : اختيار الاستجابة .
كيف سنضبط التفسير إذن بنفس الخطوات لكننا سنضيف خطوتين فارقتين :





عندما يقع الحدث الذي تراه سلبياً في العالم الخارجي يجب أن تعلم أنّ الإنفعال هو الذي يقود التفسير لأنه حينها يكون الانفعال السلبي كالتوتر أوالقلق أوالحزن قاد التفكير وسيطر عليه ـ الانفعال يكون حسب نوع الخبرة التي حدثت فإن كانت وفاة سيكون حزن، وإن كان خوف من اختبار سيكون قلق وهكذا ـ إذا وقع الحدث السلبي فالأولوية هنا هو ضبط الانفعال حتى لايؤثّر على التفسير، ويتمّ ضبط الانفعال بأن تقول أنا اخترت هذا الشعور " القلق أو الحزن أو التوتر"، والهدف من قول هذه العبارة هو أن تتقبّل مشاعر طبيعية مرافقة للحدث السلبي، ثمّ التفريغ بحركة أنا شخصياً أُسمي هذه الخطوة بخطوة " فاصل وواصل"، فاصل عن التفسير واتخاذ القرار حتى يهدأ الإنفعال، ونواصل بعد ذلك لاتخاذ لوضع التفسير المناسب، واتخاذ القرار، والحركات أنواع ولكلّ موقف حركته المناسبة، فالمشي حركة، والرياضة حركة، والصلاة حركة، والدعاء حركة، وأنت أعلم بحركاتك التي تضبط انفعالاتك، وإذا استمرّ الانفعال تستمرّ الحركة، وكلّما كان الانفعال عاليًا تكون الحركة أشدّ، بعض الانفعالات قد تستمر شهر كانفعال فقد عزيز فتستمرّ الحركة لحين زوال الانفعال، بعد ذلك بعد أن يهدأ الإنفعال اجلس مع ذاتك جلسة حوار جلسة حبيب مع حبيب، فلا جلد للذّات ولا تأنيب ضمير، ولا نقد للذات، ولا بكاء على الماضي، ولا انشغالٌ بالآخر ، وهنا أضمن لك إذا نفّذت الخطوتين السابقتين بإتقان تستطيع تفسير الحدث بطريقة عقلانية لا عاطفية ، فستتحاور مع نفسك وتقول : هذا حدث وأحداث الحياة ليست موجهة لي ولا ضدّي، والخيرة فيما اختاره الله، وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم ، ماحدث حدث انقضى الأمر وانتهى مادام الكيان سليمًا فهذا حدث وسأستطيع التعامل معه واختيار الاستجابة المناسبة ، الآن ماذا ينبغي عليّ فعله نحن أبناء اليوم، وتبدأ حينها تركز على الخيارات والبدائل والأفعال التي تعملها في العالم الخارجي لتعيد الاتزان لذاتك، والاستمتاع بحياتك.
.. يتبع ..
د.خالد محمد المدني
خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة
رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO
دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا
للتواصل مع الدكتور خالد المدني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق