من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
النقد هو أسوأ سلوك يمكن أن يمارسه طرف تجاه طرف الآخر، زوجاً كان أم صديقاً، لأنّ النقد يحمل في طياته رسالة احتقار وازدراء، أيّ علاقة جيدة وناجحة غلافها الاحترام، والاهتمام، والغايات المشتركة، معظم الأفراد، الأسر تغرق في النقد فإذا أضفت له انخفاض وعيهم بقدر التدمير الذي يحدثه النقد في تكيّف علاقاتهم مع بعضهم البعض، لا أبالغ إن قلت أنّ النقد له قدرة تدميرية هائلة في إفشال أي علاقة ناشئة تطمح لتكون ناجحة، والنقد يأخذ شكلين رئيسيين في الغالب:
الأوّل:
الإستهزاء والسخريّة
الثاني:
المقارنة المبالغ فيها
وسأقتصر
في هذه التدوينة على الحديث عن الشكل الأوّل، طوّر الناس في حياتهم عبر السنين طرقاً
وأساليب للحطّ من شأن بعضهم البعض ولانحتاج لدليل لإثبات ذلك فقط خذ جولة في وسائل
التواصل الإجتماعي لترى وتعرف مقدار الكمّ من السخرية والإستهزاء الذي يمارسه
الكثيرون في حقّ بعضهم البعض بحجة المزح وتخفيف الهموم، ابتداء من نكت تخرج للحطّ
من الزوجين فنكت متخصّصة في الاستهزاء بالمرأة، وأخرى للإستهزاء بالرجل، ونكت
ثالثة للحطّ من الشعوب، نكتٌ للسخرية من هذا الشعب أو ذاك الشعب ولا يعلم صانع النكتة،
وقارئها، وناشرها أنّ النكت أسوأ مستوى ممكن أن يُمارس من النقد لأنه يصنع صورةً
ذهنية عن الزوج في عقل المرأة، وعن المرأة في عقل الرجل فتصبح صورة المرأة في عقل
الرجل قليلة عقل ضعيفة تدبير لاتعرف
الرومانسيّة، وتصبح صورة الرجل في عقل المرأة دقة قديمة، الرومانسية في واد وهو في
واد ومع ترسيخ النكت هذه الصورة النمطيّة تتحوّل إلى صور موجودة في العالم الخارجي
يتعامل معها الرجال والنساء كأنها حقيقة، أضف إلى ذلك عندما يتحوّل الإستهزاء والسخرية
في أشدّ صوره وهي النكت إلى الشعوب فتصبح صورة شعب بأكمله أمام شعبٌ آخر بأنه غبيّ
بل في داخل الشعب الواحد يطلقون استهزاءً على منطقة بعينها بأنهم متخلفون أو
أغبياء وكلّ ذلك يسمّونه "طقطقة" وهو يحمل في طياته أعلى درجات
النقد وهو الحطّ من شأن الآخرين ، لقد نبّه القرآن الكريم لذلك لما له من أثر سيء
على علاقات الأفراد والشعوب والأمم من بعضهم لبعض: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ
مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ
وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ
لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ ـ الحجرات:11 ، جعل الله السخرية
والتنابز فسق وهو نقيض الإيمان، والسّخرية صورة من صور النقد اللّاذع وللأسف هذه
الممارسات التي نهى عنها القرآن سائدة في أيامنا هذه ولم ينه عنها الله إلاّ
لأثرها المؤذي على النفوس، فتجعل العلاقة فاشلة بل تجعل الأطراف في حالة عداء
متشنّج، حقّق برنامج
the
bickers ans الذي تناول قصة زوجين يتجادلان ويوجهان انتقادات
لاذعة لبعضهما البعض نجاحاً باهراً في الإذاعة زمن الثلاثينات، وجنى دون ربكيك
الكوميدي الشهير في وقته الكثير من الأموال من خلال توجيه النقد للشخصيات الشهيرة
التي لايمكنها الدفاع عن نفسها والتي يراها نتيجة لأعمالها مادة للنقد في العرض
الساخر الخاص به، النقد أكثر بكثير من ممّا نقوله إنه يحمل نظرة لبعضنا البعض
بازدراء أو حتى كراهية لأكثر مانقوم به من أعمال، طريقة أخرى للنقد يمارسها الكثير
دون أن يشعروا وهي التوقف عن الكلام أو الإنصات، فعندما نتوقف عن الكلام أو
الإنصات فإننا نخبر الآخرين أنهم ليست لهم قيمة في حياتنا.
نحن
لانكتفي فقط في ممارسة النقد لبعضنا البعض بل نغلّفه بفضائل السلوك فنطلق عليه
نقدًا بنّاءً، النقد هو النقد بنّاء كان أم هدّامًا، إنّ مايشكل لك نقداً بنّاءً
غالباً مايشكّل للآخر نوع من الحطّ من قدره، النقد نمارسه لأننا بحاجة دائمة
لممارسة السلطة على الطرف الآخر وأبسط صورة لذلك هو النقد، معظمنا دفع ثمناً غالياً
في العلاقات الفاشلة لأننا دومًا نخبر الآخرين أنّ من الأفضل لهم التصرّف بالطريقة
التي نرسمها لهم في عوالمنا الخاصّة، بدل أن توجّه سلطته بمحاولة السيطرة على
الآخرين بنقدهم وجهها لذاتك لإنجازاتك في حياتك.
يتبع ..
د.خالد محمد
المدني
خبير القيادة من المركز
الأمريكي للشهادات المهنيّة
رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO.
دكتوراه الإدارة
من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا
للتواصل مع الدكتور خالد المدني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق