الجمعة، 9 نوفمبر 2018

تحرّر من قيودك (1) / الدكتور خالد المدني


من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
تحرّر من قيودك (1)


في الهند لديهم طريقة قديمة لترويض الفيل الذي يُولد حديثاً فعندما يأتي الفيل إلى الحياة يقوم أصحابه بوضع قيد في رجله مربوطٌ بسلسلة تنتهي إلى عامود، ويجعلون امتداد هذه السلسلة عشرة أمتار، يقوم الفيل بالخطو نحو الأمام عشر خطوات فيجد أنّه لايستطيع السير أكثر من ذلك فيقاوم بشدّة لكنه لايستطيع كسر قيده ولا الخروج من حدّ السلسلة، يحاول في الاتجاه المعاكس فلا يستطيع كذلك كسر قيده ولا الخروج من حدّه، يذهب إلى اليمين محاولًا فيحدث نفس الشيء، ثمّ إلى اليسار محاولاً فيحدث ذات الشيء، يعيد هذا الفيل المقيّد الكرّة بعد الكرّة والمرّة بعد المرّة لكنّ شيئاً في واقعه لايتغيّر فلا يستطيع الفيل كسر قيوده ولا الخروج من حدوده، يتركونه في هذه الدائرة المغلقة، والحدود المقيّدة سنتين، ولا يفكّون قيده حتّى يستسلم ولا يقاوم حينها يقومون بفكّ أغلاله، والعجيب أنّ هذا الفيل يتحرّك للأمام وللخلف ولليمين ولليسار لكنّه لايتجاوز المكان الذي قُيّد فيه سنتان، أصحابه من الفيلة ينادونه ليلعب ويمرح معهم لكنّه لايستجيب فلا يتحرّك إلاّ مع قطيع الفيلة الذين عاش معهم وبينهم، ماذا حدث للفيل؟ هل هناك قيدٌ يقيّده طبعاً لا؟ لكنّ القيود التي كانت في العالم الخارجي انتقلت إلى عقله فأصبحت قيوده ذهنيّة تُثقل كاهله، وتحبسه في مكان، الفيل تعرّض لمدّة سنتين إلى برمجة منضبطة ضبطت حركته وإيقاعه، ألا تذكّرنا قصّة الفيل بنا وبحالنا، نحن كذلك تعرّضنا لبرمجة منضبطة وأعراف قيّدت حركتنا، وحبستنا في أماكننا، باختصار نحن أيضًا وضعت في عقولنا قيود وحدود وسدود لكن هل هذه الحدود، هل هذه البرمجة نافعة أم ضارّة ؟ لايستطيع الإجابة عن هذا السؤال سوانا، لكنني أضع لك عزيزي القاريء أختي القارئة ثلاثة معايير تعرف من خلالها هل هذه القيود، هل هذه البرمجة نافعة أم ضارّة؟ أيّ شخص يريد أن يعرف هل القيود التي في ذهنه نافعة أم ضارّة أضع أمامه ثلاثة معايير :
أولاً : الاستمتاع بالحياة
ثانياً : تحقيق الغايات
ثالثاً : إدامة العلاقات
أيّ شخص لديه قيود ضارّة فغالباً غير مستمتع بحياته فأيامه شقى، وأيّ شخص لديه قيود فمشتّتٌ عن غاياته، لايعرفها أصلًا فحياته تذهب سُدى، وأيّ شخص لديه قيود أقعدته فعلاقاته متشنّجة  فلديه مشكلات في العلاقات، والغايات، والنظرة للحياة .
السؤال الهام : هل نحن أفيال ؟
لا نحن بشرٌ زودنا الله بالاستبصار، والاستبصار قدرة فوق الوعي أي التأمّل في جوانب حياتك والتعرف على إمكاناتك، وفوق الإستبصار أعطانا قوّة الاختيار " وهديناه النجدين"، لتحديد المسار "فألهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها" ، إذن الاستبصار بتفعيل قوّة الاختيار لتحديد المسار هذا هو الإنسان، استطيع أن أقول أنّ الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على كسر البرمجة، والخروج من الشرنقة، إذا لم يكن لديك استبصار فلن تمارس الاختيار ، معظم قيودنا اختيارات سابقة تمّ تغذيتها في عقولنا وبرمجتنا عليها من خلال الوالدين، أو المدارس، أو المجتمع ...الخ ؟ لضبط حركتنا ، وعقولنا ، تذكر أنّك لست فيل أنت إنسا ، الفرق بيننا وبين الحيوانات قوة الاختيار .
كيف أتعرّف على أصل قيودي ؟ من أين جاءت ؟ وكيف أتحرّر من قيودي ؟
أناقشه في تدوينة الأسبوع القادم بمشيئة الله.
.. يتبع ..  
د.خالد محمد المدني
خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة
رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO
دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا
للتواصل مع الدكتور خالد المدني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق