من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
عقدة الشّعور بالذّنب
تحدّثتُ يوم الخميس 18 / 3 / 2021م في محاضرة لي عبر الزوم ضمن سلسلة أفكار بها نحيا التي أُقدّمها دوريًا عن
عقدة الشعور بالذّنب وتأنيب الضمير ، ولماذا يشعر كثيرٌ من البشر بشعور تأنيب
الضمير ؟ ولوم ذاتهم إلى درجة تصلُ إلى تعذيب أنفسهم بهذا الشعور ، في هذه
التدوينة سأتحدث عن : الشعور بالذّنب ـ مفهومه ـ أسبابه ـ ماهي الأمراض الجسديّة
التي يُمكن أن يُسببها ؟ وما هو الدافع الإيجابيّ الذي يجعل البشر يشعرون بتأنيب
الضمير بل ويُعاقبون أنفسهم؟ وأخيرًا سأتحدث عن التخلّص من هذا الشعور المُضرّ
فعلًا والمُعذّب للذّات.
أولًا : مفهوم الشعور بالذّنب ،
وتأنيب الضمير:
نحن منذ نعومة أظفارنا غُرس فينا اعتقاد أنّ
الشعور بالذّنب هو شعور إنسانيّ أصيلٌ فينا ، ورائعٌ أن يكون ، ليس هذا بحسب بل
تمّ تربيتنا وبرمجتنا من يؤنّب نفسه باستمرار هو شخصٌ ذو أخلاق عالية وتمّ تربيته
بطريقة صحيحة ، والحقّ الذي يجب أن تعرفه والذّي أعتقده وأدين الله به من موقع
التخصّص في النفس البشريّة هو أنّ الذي يلوم وينتقد نفسه باستمرار هو شخصٌ ينظر لها
على أنّها سيئة والسببُ بسيط أنّه يوجه لها وباستمرار عبارات من مثل : أنا فاشل ،
تافه ، لا أسوى شيئًا ، وأنّ مثل هذه العبارات إن استمرّ عليها الفرد اكتسب برمجةً
سلبيةً في هوّيته الذّاتيّة.
ثانيًا : ما أسباب الشعور
بالذنب وتأنيب الضمير ؟
أستطيع تحديد سبب هذين الشعورين بسبيين لا
ثالث لهما :
الأوّل : الفهم الخاطيء للإله
الحكيم سبحانه وتعالى :
ويتجلّى هذا الفهم بتقديم صورة للإله خاطئة
بأنّه ينتقم منّا بسبب أخطائنا والله سبحانه وتعالى أجلّ وأعظم من ذلك :(مايفعل
الله بعذابكم....) وخاصّة عندما يُصيب الإنسان قدرٌ من أقدار الله التي كتبها
وأجراها على عباده والتي هي من طبيعة الحياة يعتبرها الذي تمّ برمجته على الشعور
بالذنب بأنّها عقاب ويُفسّر الكثيرين الابتلاء بأنّه انتقامٌ من الله وهو ليس كذلك
بل هو اختبارٌ منه سبحانه لنا لنُظهر إمكاناتنا الحقيقة في المواقف التي قدّرها
الحق سُبحانه علينا فالله عزّ وجل خلقنا وأجرى علينا أقدارًا وزوّدنا بإمكانات
معالجة هذه الأقدار حين تقع وهذا معنى الابتلاء ، فهو سبحانه وتعالى لا يُعذّب
أحدًا من خلقه بأقدار يجريها عليه ، الحساب والثواب والعقاب والجنة والنار تكون
يوم القيامة وليس في الدنيا ، ولي عبارة صُغتها وكنتُ أقولها وأُكرّرها في
مؤلّفاتي ومحاضراتي ودوراتي التدريبية وما زلت وهي :"إنّ الله لا يبتلي
ليُعذّب بل يبتلي ليُهذّب" ، ولقد شاهدتُ كثيرًا من الآباء والأمهات
يمارسون أنماطًا خاطئة من التربية عندما يقومون بتقديم صورة الخالق العظيم سبحانه
وتعالى لأبنائهم بطريقة خاطئة ويغرسون في أطفالهم عقدة الشعور بالذنب منذ الطفولة
، وأضرب لذلك أمثلةً : عندما يرفض الطفل أن يُصلّي نجد الوالدان يهدّدانه بأنّ
الله سيغضبُ عليه ويعاقبه ، أو عندما يتلفّظ بكلام نابٍ يهدّدانه بالعقوبة
الإلهيّة إنهم يكذبون على الله مرّتين الأولى : أنّ الله سبحانه وتعالى ليس ذلك
الجبّار المنتقم بل هو الرحيم الغفور ورحمته سبقت عذابه ، ولقد خلق الرحمة من مئة
جزء احتفظ بتسعة وتسعين جزء عنده ، وأنزل جزء واحدًا منها في الأرض فبها يتراحمون
العباد ، وبها ترفعُ الدابّة حافرها عن ولدها حتى لا تطئه كما أخبر عن ذلك
المعصومُ عليه الصلاة والسلام ، وكان الأولى بهؤلاء الوالدين أن يبتكرا أساليبًا
تربوية لعلاج سلوك أطفالهم بدل أن يهدّدوهما بالعقاب الربانيّ إنّ التهديد هو
أُسلوب العاجز من افتقر إلى الحلول ، وهذا التقديم الخاطيء للإله الحكيم سبحانه
غرس في الابن عقدة الشعور بالذنب ، ومن صور ممارسة عقدة الشعور بالذنب عندما يقع
الفرد بمعصية مع أنّ المنهج القرآنيّ واضح ، والعلاج النبويّ بيّن ففي القرآن
الكريم :(إنّ الحسنات يُذهبن السيئات) فإن أذنب الفرد المُسلم يبادر للتوبة مباشرة
إذن المنهج هو أن يفعل ولا ينفعل يتحرّك للتصحيح ولا يجلس يلطمُ ويلومُ ذاته ، وفي
العلاج النبويّ:(لو لم تُذنبوا لهب الله بكم ولأتى بقوم يُذنبون فسيتغفرون فيغفر
الله لهم) فلم تأنيب الضمير إذن؟ ، ليس معنى ذلك أن لانذكرُ لأبنائنا أنّ الله
رحيمٌ بعباده وهو شديدٌ أيضًا على من لا يُطع أوامره بل لكلّ مرحلة من مراحل نموّ
الإبن والبنت اللغة التي تُناسبها فالترغيب والترهيب من منهج القرآن الكريم.
الثاني : المجتمع :
فالمجتمع سلك طريقًا واحدًا في الغالب
لتربية الأطفال سواء الأسرة في البيت أو المعلمين والمعلمات في المدرسة وهذا
الأسلوب باختصار: أنّهم وضعوا قواعد اجتماعية وأخرى أخلاقية وطلبوا منهم الالتزام
بها وتطبيقها حرفيًا فإن حادوا عنها اعتبروهم مخطئين وبالتالي عاقبوهم وخاصّة
بالعقاب البدنيّ ، وإن التزموا بها كافئوهم ومن هنا نشأ مفهوم الأدب فالأدب هو
الالتزام بالضوابط التي حددها المجتمع وإن خالفها الابن أو البنت نُعت بأنّه قليل
أدب ، فعلى سبيل المثال : نستمرّ بإصدار قائمة من الأوامر واُخرى من النواهي
للأطفال : اجلس هنا ولا تذهب هناك ، لا تُصدر صوتًا عندما تأكل ، ما تفعله أمر سيء
، وغيرها من الأوامر والنواهي والقواعد لاسلوكية دون أن نناقشهم أم نترك لهم مساحة
من الاختيار في حياتهم ، نحن لسنا ضدّ الأخلاق وهي مهمة لكنها يجب أن تكون نابعةٌ
من الداخل لا مفروضةٌ من الخارج ، فالأدب مفروضٌ من الخارج ولذلك لمّا وصف الله
سبحانه وتعالى نبيّه عليه الصلاة والسلام قال :(وإنّك لعلى خُلُق عظيم) أي نابعٌ
من داخله ، هذه القواعد الاجتماعية والأخلاقية والسلوكيّة جعلت الابن أو البنت
عندما يُخالفها يشعر بتأنيب الضمير فتنغرس فيه عقدة الشعور بالذنب.
ـ ماهي الأمراض الجسديّة المُرتبطة الشعور
بالذنب وتأنيب الضمير ؟
ذكر الدكتور فاليري سينيلنيكوف أنّ عقدة
الشعور بالذنب قد تُصيب الأشخاص المُدمنون عليها بأمراض عديدة منها:
·
التهاب
المفاصل الرثيانيّ "التهاب يُصيب باطن القدم وباطن الكفّ".
·
التهاب
الحنجرة المُزمن
·
مشكلات
القلب
·
مشكلات
الكبد والكلي
ـ ماهو الدّافع الذي يجعل أناس
يؤنّبون ـ يشعرون ـ يعاقبون ذواتهم ؟
ألا يوجد للشعور بالذنب وتأنيب الضمير مقصدٌ
إيجابيّ فنحنُ نعلم أنّ لكل سلوك سلبيّ نيّة إيجابيّة ، فما هي المقاصد الإيجابيّة
من تأنيب الضمير والشعور بالذنّب؟ أستطيع حصرها بالنقاط التالية :
·
الرغبة
في تغيير السلوكيات ، ونمط الحياة.
·
محاولة
الوصول إلى الكمال الذّاتيّ
·
الرغبة
في جلب لنا السعادة لنا ولمن حولنا.
ـ كيف نتخلّص من عقدة الشعور بالذنب ؟
هناك عدّة خطوات نستطيع من خلالها التحرّر
من عُقدة الشعور بالذنب وهي :
1ـ تحمّل المسؤولية عن حياتك :
المطلوب منك هو تحمّل المسؤلية عن أفعالك
وليس الشعور بالذنب تجاهها ، وتحمّل المسؤولية يعني التحرّك للفعل والشعور بالذنب
معناه الغرق في الانفعالات .
2 ـ افهم قوانين الكون:
ـ إذا شعرت بالذنب نحو ذاتك فسوف يجذب ذلك
لك حالة مُشابهة تمامًا لتلك الحالة ولكنك ستلعب حينها دور المُساء إليه.
ـ إذا كنت تعتبر نفسك غير مخطيء ولكنك لم
تُغيّر شيئًا من تصرفاتك فإنّك ستخلق الحالة نفسها في المرة القادمة ، وستدور في
حلقة مفرغة.
ـ أن تتحمّل المسؤولية تعني أن تحدّد
الأفكار والتصرفات المسؤولة عن هذه الحالة وأن تُفكّر بالإيجابيات وليس السلبيات
والتصرفات وليس الانفعالات ثمّ شكّل أفكارًا جديدة ، وحدّد تصرفات جديدة لا تلعب
دور الضحية بل العب دور المسؤول
3 ـ سامحوا كلّ شيء :
سامح ماضيك وحاضرك ومستقبلك ، سامح كلّ من
أخطأ بحقك لأجلك وليس من أجله.
4 ـ تعلّم محبة ذاتك :
أحِبّ ذاتك حبًا غير مشروط عندها ستكون
علاقتك مع الجميع حبٌ ومودة.
5 ـ تعلّم الاختيار:إنّ معنى تحمّلك
المسؤولية عن حياتك أن تختار ماينفعك ويرفعك ، ليس المهم أنّ ما اخترته صحيحًا أو
خاطئًا لأنّ كل خياراتنا في الحياة صائبة ، المهم أنك مارست الإختيار وتعلّمته.
6 ـ تقبل ذاتك :
بإيجابياتها وسلبياتها ، بنقاط قوتها ونقاط
ضعفها فلا يوجد أحدٌ كامل في هذه الدنيا طوّر الضعيف فيك ، وعزّز القويّ عندك.
7 ـ أشبع حاجاتك :
الأساسية ولا تربط إشباع حاجاتك بالآخرين بل
اربطها بذاتك من أجل ذاتك ، الآخرون أدوات مساعدة وليسوا أساس أنت الأساس والبقية
زينةٌ تُزيّن بها حديقة الذّات الوارفة.