من مقالات الدكتور
خالد محمد المدني
تنمية
الإنسان عقلاً وروحاً وجسداً
تحدثنا في
التدوينة السابقة عن علاقة الروح والعقل بالجسد من رؤية ابن القيم رحمه الله ورؤية
وليم جلاسر واليوم نواصل الحديث عن بقية الموضوع ..
ماذكره ابن القيم
رحمه الله يعد بحق مدرسة متكاملة في علم النفس في العلاج وهي مدرسة معرفية
بامتياز، ونسجل بعض التعليقات على نموذج ابن القيم رحمه الله:
ـ الأساس هو الفكرة
وهو مبدأ كل عمل فالفكرة هي المنشأ فإن أوقفت فكل مابعدها لن يكون، والفعل هو نتاج
التعاقب السريع بين الخطرة والفكرة والشهوة والعزيمة والإرادة.
ـ الإنسان لم يعط
القوة على قطع الخواطر وإماتتها فكيف يطلب منّا ابن القيم دفعها؟ والجواب
أنّ الله أعطى الإنسان سلاحين هما: العقل والإيمان فسلاح العقل لوزن الأفعال هل هي
مناسبة أم لا هل تنقص من قيمته ولذلك ترك بعض مشركي العرب شرب الخمر مع أنه كان
شهوة لكل جاهلي لأنهم فكروا في عواقبه ونظروا لحال شاربه كيف يرتكب مايخلّ
بالمروءة والرجولة، والسلاح الثاني: الإيمان وقد أعطي للمؤمن فعندما يتفكر بما
أعده الله من الثواب لمن ترك هذا العمل يزن ذلك ميزان الإيمان فيكون معيناً لإماتة
الخطرة.
ـ الأفكار التي
تدور في ذهن الإنسان كالحب الذي يطحن في الرحى فإن كان حباً نافعاً كان الطحن
نافعاً والعكس بالعكس فكأن دماغ الإنسان وعاء ماتضعه وتطحنه يخرج وتراه وعند الخبز
يظهر لك حقيقة حبك.
ـ كل هؤلاء الخطرة
والفكرة والشهوة والعزيمة والإرادة أسهل من الوقوع في الفعل لأنهم في داخل الإنسان
فإن وقع الفعل انتهى كل سيء، ومعنى ذلك أن إيقاف الخطرة أسهل من أن تتحول إلى
فكرة، ووقوع الفكرة أسهل من أن تتحول إلى شهوة، ووقوع الشهوة أسهل من أن تتحول إلى
عزيمة ثم إرادة، وتحولها إلى عزيمة وإرادة أسهل من أن يقع الفعل، ووقوع الفعل أسهل
من تكراره فيصبح عادة راسخة .. هل هناك تفصيل أعمق وأدق من هذا التفصيل الذي رسمه
هذا العالم الرباني.
ـ السبب خطرة
فأوقفها يتوقف كل مابعدها من التعاقب، فابن القيم يرى أن قطع الخطرة سيوقف الطريق
على التسلسل الذي يبني عليها فإن أمتّ الخطرة فلن يكون هناك فكرة ولا شهوة
ولاعزيمة ولا إرادة وبالتالي لن يقع الفعل، وهذا جوهر ماتقوله المدرستين
المعرفية والواقعية، ولذا كان ريتشارد باندلر أحد المعالجين بالمدرسة المعرفية
يشير إلى تجويد المدخل ( الفكرة) لكي يكون المخرج جيداً وهو (الفعل).
ـ إذا كان العلاج
السلوكي والمعرفي الحديث توصّل إلى أنه من أنجح أساليب العلاج للأفكار
والإنفعالات المرضية هو استثارة الإستجابات المضادة لها على أن يحدث ذلك بشكل
تدريجي كما يوضح مبدأ العلاج بالنقيض فإنّ ابن القيم أكّد على مبدأ العلاج بالضد
في أكثر من موقع من كتبه القيمة ومنه دافعة الخطرة باللجوء إلى الله وقراءة
القرآن وقيام الليل والدعاء وغيرها.
بعد هذا الإستعراض
التاريخي والعلمي لتطور علم النفس منذ نشأته إلى نضجه في أواخر التسعينات، استطيع
أن أقدم تصوري الخاص في تنمية الإنسان تنمية شاملة أسرده في الصفحات التالية:
أستطيع أن أرسم
نموذجاً للتصور الإسلامي للإنسان يمكن اعتباره مدرسة علم النفس الإسلامية وهو
يتكون من ثلاث مكونات كما يلي:
والسلوك
خارجه فالسلوك نتيجة تفاعل هذه الثلاثية إن كانت منسجمة إيجاباً أو سلباً صدر
السلوك معبراً قوياً بمقدار قوة الإنسجام.
هذا
النموذج الثلاثي الذي أقترحه أشرحه في النقاط التالية مع العلم أني سأعود للحديث
عنه عندما أطرح التصور الإسلامي في علاج الأمراض النفسية والعضوية:
1
ـ الروح: والروح فيه علاقتنا بالخالق من حيث عبادتنا وممارساتنا الإيمانية،
واستشعار معية الله، وفيه أيضاً الصلات الروحية، والمساندة، والرؤية والرسالة
الحياتية، وكذلك فيه مشاعرنا التي نشعر بها كالحب والطمأنينة وتقدير الذات وغيرها
من المشاعر وفيها القيم أيضاً.
2
ـ العقل: وفيه الخواطر والأفكار والقناعات والمعتقدات الدينية والحياتية
فاعتقاداتنا عن الله هنا، وكذلك اعتقاداتنا عن الحياة عن الكون وعن الآخرين وعن
ذاتي كلها في هذا الجانب.
3
ـ الجسد: ونقصد فيه العمليات الفسيلوجية الداخلية كنبض القلب وضغط الدم والحراراة
والبروة وفيها أيضاً الفسيلوجيا الخارجية كالمشي والحركة والتي يعتبرها جلاسر جزء
من السلوك.
يتبع...
د.خالد
محمد المدني
خبير
القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة
رئيس
مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO
دكتوراه
الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا
للتواصل
مع الدكتور خالد المدني