من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
كيف تبني أسرة إيجابية وسعيدة؟ (3)
في هذه التدوينة والتدوينات
سأتحدث بإذن الله حول العلاقات الأسرية
وسأعتمد على منهج الرائدة في العلاج الأسري فرجينيا ساتير التي بذلت جهوداً كبيرة
في التأصيل والبحث لتطوير وعلاج المشكلات التي تعاني منها الأسر..
تخبرنا فرجينيا ساتير كمعالجة نفسية كيف تعلمت ضبط تلك
المشاعر داخل نفسها والتي تحدثنا عنها في التدوينة السابقة وتعلمت كيف تتعرف على
تلك العلامات لدى الآخرين تقول فرجينيا ساتير :"يخبرونني أمورا مهمة عن حقيقة
تلك الأمور، أتمنى أن يساعدك هذا الكتاب لكي تتعلم التعرف على دلالات هذه الأعراض
داخلك، وأولى خطوات التغيير أن تتعرف ماذا يحدث داخل نفسك.
في الأسر المضطربة أجساد الأفراد ووجوههم تخبرك الكثير عن
معاناتهم، الأجساد تكون إما متيبسة أو مشدودة أو محدبة، الوجوه تبدو كئيبة ومتجهمة
وحزينة أو ذات نظرات فارغة كالقناع، العينان تنظران للأسفل أو تنظران خلال الناس
وليس تجاههم، الأذنان بعيدة عن الاستماع، الصوت يسمع متألماً أو حاداً أو بالكاد
يسمع، هناك القليل من الأدلة التي تدلك على وجود علاقة جيدة بين أفراد تلك
العائلات، والقليل من المرح بينهم، ومن الواضح أن تواجد أفراد الأسرة مع بعضهم
البعض هو تأدية واجب لا أكثر، الأفراد هنا وكأنهم يتحملون بعضهم بعضاً، وأجد أحد
أفراد الأسرة المضطربة يحاول أن يستجمع قواه ليقول شيئاً مفيداً لكن الكلمات تخونه
أو تثقل لكي تخرج.
الفكاهة بينهم غالباً ما تكون لاذعة أو قاسية أو ساخرة،
البالغون في تلك الأسر مشغولون جداً بالأوامر تجاه أبنائهم ما ينبغي أن يفعلوه وما
ينبغي أن لا يفعلوه ولا يجدون الفرصة أن يستمتعوا بعلاقاتهم أو أنفسهم، ويشعرون
بالغرابة إذا ما صادفوا لحظات من المتعة والمرح.
رؤية هذا العدد الكبير من الأسر وقد اجتمعت عليهم الكثير من
المشكلات الصعبة فإني أتساءل كيف استطاعوا أن يبقوا مع بعضهم البعض متماسكين، وجدت
في بعض أفراد هذه الأسر أنهم يتجنبون بعضهم البعض بل إن البعض منهم ينخرط في
نشاطات خارجية مختلفة مبتعدين أكثر وأكثر للتواصل مع بعضهم البعض لدرجة أنه بمنتهى
السهولة تجدهم لا يرون بعضهم البعض لأيام رغم أنهم يعيشون في بيت واحد.
إنها خبرة حزينة بالنسبة لي عندما أرى هذا النوع من العائلات،
أرى أنواعاً من اليأس والعجز والعزلة، وأرى الصامدون منهم يحاولون التستر على
المشكلة ودفنها، هذا النوع من التستر الذي يقتل صاحبه وهو حي، البعض لا يزال يتمسك
ببصيص من الأمل والبعض الآخر لا يزال يئن تحت وطأة الألم ويتذمر ما بقي له من قليل
قوة تجاه الطرف الآخر الذي لا يأبه غالباً، هؤلاء يستمرون هكذا سنة بعد سنة ملحقين
الضرر بمن حولهم بما يحملونه من بؤس وإحباط مستمرين.
لا يمكن أن أستمر في محاولة علاج تلك الأسر ما لم يكن لدي
الأمل أنهم يتغيروا وغالبيتهم يتغيرون بالفعل، الأسرة هي الملاذ الآمن الذي لو فشل
المرء في أي مكان حوله فإنه يجد في أسرته الحب والمساندة والعطف والتسامح فتتجدد
طاقته وينتعش، ليتكيف مرة أخرى مع العالم الخارجي من جديد، ولكن للملايين من الأسر
يبقى ذلك حلماً يصعب مناله.
إن المنشآت المدنية والصناعية في مجتمعنا مصممة على تكون
عملية وفعالة واقتصادية ومربحة لكن نادراً ما تكون مصممة لحماية وخدمة البشر،
تقريباً الجميع يمر بتجارب صعبة مثل الفقر والتمييز العنصري والضغوط المختلفة أو
أية مصاعب في الحياة من قبل مؤسساتنا الاجتماعية اللاإنسانية، بل حتى الأسر
المضطربة التي تعاني من ظروف لا إنسانية في بيوتها تجد هذه الممارسات اللاإنسانية
من قبل تلك المؤسسات أكثر من أن تحتمل. لا أحد يتعمد ويختار أن يعيش في أسر بائسة
ولكنهم لم يجدوا خياراً آخر.
توقف عن القراءة
لدقائق وفكر في أسر حولك تعرفها ينطبق عليها وصف (الأسر المضطربة). هل الأسرة التي
نشأت بها تحمل بعضاً من هذه الصفات؟ هل عاشت أسرتك وقتا ما كانت فيه باردة، عقيمة،
وكأن على رؤوسهم الطير، مليئة بالأسرار، محيرة؟ ما هي مواصفات الأسرة التي تعيش
فيها الآن؟ هل تستطيع استشفاف أية علامات اضطراب لم تكن موجودة من قبل؟.
فرجينيا ساتير بتصرّف ـ تعديل وإضافة د.خالد بن محمد المدني
حاصل على دبلوما العلاج الأسري من هيئة المعادلات الدولية ـ
الإنتل باس
يتبع..
د.خالد
محمد المدني
خبير
القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة
رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO.
دكتوراه
الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا
للتواصل مع الدكتور خالد المدني