الأحد، 16 أكتوبر 2016

صناعة الأسرة (2) / الدكتور خالد بن محمد المدني


من مقالات الدكتور خالد محمد المدني 

  

كيف تبني أسرة إيجابية وسعيدة؟ (2)


في هذه التدوينة والتدوينات اللاحقة سأتحدث بإذن الله في سلسلة علمية منهجية حول العلاقات الأسرية وسأعتمد على منهج الرائدة في العلاج الأسري فرجينيا ساتير التي بذلت جهوداً كبيرة في التأصيل والبحث لتطوير وعلاج المشكلات التي تعاني منها الأسر.
العلاقات هي الروابط التي تضم أفراد الأسرة بعضها مع بعض وعندما تنظر بعين فاحصة لأجزاء من هذه العلاقات البينية بين أفراد الأسرة يتضح لك شيئاً فشيئاً النظام الذي تعيشه أنت في علاقاتك مع أفراد أسرتك وبإمكانك بعد الفهم أن تخلق نوعاً جديداً من العلاقات كروح الفريق الذي يحكمه الكثير من السعادة والمتعة، تقول فرجينيا ساتير: "لقد اطلعت على معاناة الكثير من الأسر، كل أسرة حركت مشاعري بعمق، من خلال هذا الكتاب أتمنى أن أخفف من آلام الأسر التي لم أتمكن من الوصول إليها شخصياً، وكذلك أتمنى من منع الأسر المتألمة التي ستتكون مستقبلاً من خلال مساعدة أطفال الأسر الآن، بالطبع بعض الآلام الإنسانية لا يمكن تجنبها. هناك نوعين من أنواع الآلام: الأول هو الألم الناتج من التعرف على المشكلة، والثاني هو الألم الناتج من اللوم.
الأول لا يمكن تجنبه أما الثاني فبالإمكان تجنبه. نستطيع أن نوجه جهودنا لتغيير ما يمكن تغييره وأن نوجد طرقاً مبتكرة ووسائل جديدة لكي نتعايش مع ما لا يمكن تغييره"،
1-      هل تشعر بالرضا التام وأنت تعيش بين عائلتك الآن؟
 هذا السؤال يبدو أنه لم يخطر على بال أكثر العائلات أن يسألوه حتى طرحته لهم عندما عملت معهم، العيش معاً كعائلة هو أمر بديهي بالنسبة لهم، وإذا لم تكن هناك مشكلات داخل الأسرة الواحدة فالكل هنا يظن أن الكل سعيد، وربما لم يجرأ أحد من أفراد العائلة على طرح مثل هذا السؤال ربما شعروا أنهم متورطون بالعيش معاً سواء للأفضل أو الأسوأ وربما عرفوا أنه لا سبيل لتغيير ذلك.
2-      هل تشعر أنك تعيش بين أصحابك، أفراد تحبهم وتثق بهم، وهم يحبونك ويثقون بك؟
هذا السؤال عادة ما يجلب نفس الإجابات الحائرة ( عجيب لم أفكر بهذا الأمر من قبل هم فقط أسرتي) ، كما لو كانوا مختلفين عن غيرهم من الناس.
3-      هل تجد نفسك مستمتعاً ومتشوقاً وأنت منتمياً لأفراد عائلتك؟
نعم، هناك من الأسر من أفراده يعتبرون بيوتهم ممتعة ومشوقة ومن أفضل الأماكن التي من الممكن التواجد بها، ولكن كذلك هناك العديد من الأسر من يعيشون في بيوت تمثل لهم تهديداً أو عبأً أو مللاً.
إذا أجبت بنعم للأسئلة الثلاث تلك فأنا متأكد أنك نعيش في أسرة سوية، أما إذا كانت إجابتك بلا أو ليس غالباً فأنت تعيش لدى أسرة مضطربة قليلاً أو كثيراً. وهذا لا يعني أن أسرتك سيئة بل يعني أن أفراد الأسرة هنا ليسوا سعداء كفاية لأنهم لم يجدوا وسائل تعينهم على محبة وتقدير بعضهم لبعض بانفتاح.
بعد معرفة المئات من الأسر وجد أن كل أسرة بالإمكان قياسها على مقياس متدرج يقع بين أسرة مضطربة جداً وأخرى سوية جداً، إنني أجد الكثير من أوجه التشابه لعمل العائلات السوية وكذلك العائلات المضطربة مهما كانت مشاكلهم فإن سماتهم تبدو مشتركة، بودي أن أكتب لك وصفة ثابتة لهذين النوعين كما خبرتهم ولكن بالطبع لا توجد وصفة دقيقة لكل عائلة ولكن بطريقة أو أخرى ستتعرف على بعض الأجزاء مشابهة هنا أو هناك لعائلتك وطريقة عيشهم.
المناخ في العائلات المضطربة من السهل الشعور به، في أي مكان أكون مع هذا النوع من العائلات أشعر بنوع من عدم الارتياح، أحياناً أشعر بجو من البرود كما لو أنهم مجمدين أمامي، هناك أدب جم وغير طبيعي يسيطر على الجو ومن الواضح أن الجميع مصاب بالملل، أحياناً أشعر بأن كل شيء يدور بسرعة كلعبة دوارة أشعر معها بالدوار وبالكاد أتوازن بها وذلك نذير لمناخ سيء في الأسرة كأنه هدوء ما قبل العاصفة عندما يرعد الرعد ويبرق البرق في أية لحظة، أحيانا يكون الجو معهم مفعماً بالسرية وأحياناً أشعر بالحزن لعدم وجود سبب واضح ألمسه وهنا أدركت أن سبب كل ذلك قد تم التستر عليه.
عندما أكون في جو تلك العائلات المضطربة جسدي يضطرب وأشعر بعسر في الهضم وأصاب بألم في كتفاي وظهري ورأسي وأتساءل هل أفراد تلك العائلات لديهم نفس المشاكل التي أشعر بها، فيما بعد عندما أعرفهم بشكل جيد ويؤلفونني يبدؤون بإخباري عن طبيعة الحياة التي يعيشونها اكتشف أنهم فعلا لديهم نفس تلك العوارض والآلام، بعدما خبرت تلك التجربة مرة بعد مرة عرفت لماذا الكثير من أفراد العائلات المضطربة لديهم معاناة مستمرة ومتكررة من تلك الآلام إذ أن أجسادهم تستجيب بشكل إنساني لوضع غير إنساني يعيشونه.
ربما سوف تجد الأعراض التي سأصفها مفاجأة ، الكل أقول الكل لديه أعراض جسدية مشابهة تجاه أشخاص حولهم وكثير منهم لا يدرك ذلك، تم تعليمنا أثناء نشأتنا أن نكبت تلك المشاعر، عبر السنوات فإننا تعلمنا أن نقمع تلك المشاعر ونتجاهلها، لذلك لا ندركها حتى إذا مضى زمن ما بدأنا نشعر بآلام المعدة والرأس والكتفين ولا نعرف ما هو سبب كل هذا.
فرجينيا ساتير بتصرّف

يتبع ..


د.خالد محمد المدني


خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة


رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO.


دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا


للتواصل مع الدكتور خالد المدني


ch@olto.org


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق