الأحد، 9 أكتوبر 2016

صناعة الاسرة (1) / الدكتور خالد بن محمد المدني

من مقالات الدكتور خالد محمد المدني 

  

كيف تبني أسرة إيجابية وسعيدة؟ (1)



في هذه التدوينة والتدوينات اللاحقة سأتحدث بإذن الله في سلسلة علمية منهجية حول العلاقات الأسرية وسأعتمد على منهج الرائدة في العلاج الأسري فرجينيا ساتير التي بذلت جهوداً كبيرة في التأصيل والبحث لتطوير وعلاج المشكلات التي تعاني منها الأسر.
في هذه المرحلة التي نعيشها والتي يجري خلالها التوسع المعرفي والعلمي في مجال الأسرة  فإننا لا زلنا نتعلم أشياء جديدة في علاقة الرجل والمرأة بعضهم مع بعض لدي اعتقاد بأن المؤرخين وبعد آلاف السنوات من الآن أنهم سوف يشيرون إلى المرحلة التي نعيشها الآن أنها بداية لحقبة جديدة في عالم الإنسانية، وهو الوقت الذي يبدأ الناس فيه بالعيش بانسجام أكثر مع مفهوم الإنسانية، عبر السنوات تكونت لديّ صورة عن كيف يعيش الإنسان بإنسانية أكثر، فهم البشر الذين يثمنون ويفهمون ويطورون ذواتهم، يجدونها جميلة ونافعة بل يجدون ذواتهم حقيقية وصادقة وشفافة تجاه أنفسهم وعن أنفسهم وكذلك تجاه الآخرين وعن الآخرين، هم لطفاء ومحبون لأنفسهم وللآخرين.
إن الأشخاص الذين يعيشون بإنسانية مستعدين للمخاطرة، وللإبداع، ولإظهار جدارتهم ومستعدون لأن يتغيروا إذا استدعت الحاجة للتغيير وهم مستعدون لإيجاد طرق جديدة للتكيف مع ما هو جديد ومختلف مع إبقائهم للقديم المفيد والتخلص لما عدا ذلك، عندما تجتمع هذه الأمور مع بعضها فسوف تحصل على إنسان نشيط صحياً، حاضر الذهن، عطوف، محب، مرح، حقيقي، مبدع، منتج، وصاحب مسؤولية. هؤلاء هم الأشخاص العصاميون الذين يحبون بعمق ويكافحون بإنصاف وفعالية ويقفون على مسافة واحدة بين الرقة والشدة ويدركون الفرق بين الاثنين.
الأسرة هي المكان الطبيعي والمحضن التربوي الذي يجد الفرد نفسه يتطور بما يملك من أبعاد مختلفة والقيّمون على هذه الأسر من الزوج والزوجة هم صنّاع البشر الحقيقيون.
 ومن خلال سنوات خبرات فرجينيا ساتير كمعالجة أسرية وجدت أن هناك أربعة جوانب في حياة الأسرة تظهر لها دائماً:
-          أولاً: الأفكار والمشاعر عن الذات وأطلقت عليها (تقدير الذات).
-          ثانياً: الطرق التي يتعاطى بها الناس بعضهم مع بعض وأطلقت عليها (التواصل).
-          ثالثاً: القواعد التي يتبعها الناس في كيفية التصرف وتوليد المشاعر بطريقة معينة وأطلقت عليها (نظام وقواعد الأسرة).
-          رابعاً: العلاقة التي تربط الناس بالعالم الخارجي من منظمات وأفراد وأطلقت عليه (العلاقة بالمجتمع).
      وتعتقد ساتير أنه مهما كانت الأسباب التي قادت الأسرة للدخول إلى مكتبها سواء كانت خيانة زوجية أو زوج مكتئب أو ابنة جانحة أو حتى ابن لديه انفصام في الشخصية، اكتشفت فيما بعد أن الوصفة هي ذاتها، فمن أجل تخفيف آلامهم فعليها النظر دوما في هذه المفاتيح الأربعة والعمل على تغييرها وقد لاحظت ساتير في جميع العائلات المضطربة[1] التالي:
  1. تقدير وقيمة الذات لديهم منخفضة.
  2. التواصل بينهم يعاني من عدم الوضوح فهو ملتو وغامض ومخادع  وليس بصادق.
  3. القواعد بينهم متزمتة وقاسية ولا إنسانية وغير قابلة للنقاش ومستمرة على الدوام.
  4. تواصل العائلة مع المجتمع الخارجي يغلب عليه الخوف، استرضاء الطرف الآخر،واللوم.
     وكانت لديها الفرصة كذلك للتعامل مع الأسر السوية[2] غير المضطربة خصوصا في دوراتها التدريبية وجدت أن تلك العائلات عندما تتطور خلال الدورة في مستوى رعايتها لأنفسها فإنه يحصل وباستمرار وباستمرار أنماط وجوانب مختلفة:
  1. تقدير الذات لديهم عالي.
  2. التواصل بينهم مباشر وواضح وشفاف وصادق ومحدد.
  3. القواعد بينهم مرنة ، مناسبة وإنسانية ، وقابلة للتغيير.
  4. صلتهم بالمجتمع يغلب عليه الانفتاح و الأمل ومبنية على الاختيار.
     والفرق هنا من وجهة نظرها في الوعي والقدرة على تعلم وإدراك ما هو جديد وكل ذلك الحصول عليه متاح للجميع. إذ مهما تعلم الطبيب الجراح الطب والجراحة فهو يستطيع أن يجري عملية جراحية لأي شخص في أي مكان في العالم والسبب أن أعضاء الإنسان الداخلية والأطراف دوما ستكون في نفس المكان.
ومن خلال عملها مع العائلات السوية منها والمضطربة في جميع قارات العالم وجدت أن لدى هذه العائلات مشكلات متشابهة دائما وهي أنّ كل إنسان:
لديه قيمة لذاته سواء كانت قيمة إيجابية أو سلبية ولكن السؤال هو: أي واحدة من الاثنتين لديك؟
لديه قدرة على التواصل مع الآخرين، ولكن السؤال هو: كيف تتواصل وما هي نتيجة هذا التواصل في النهاية؟
يتبع القواعد، ولكن السؤال هو: ما هي نوع هذه القواعد التي تتبعها وكيف هي جودة عملها معك؟
لديه علاقة بمجتمعه، ولكن السؤال هو: بأي طريقة تسيّر تلك العلاقة وما هي النتائج التي تصلها في النهاية؟  
هذه الحقائق ثابتة سواء كانت العائلة طبيعية والتي تتكون من الأب والأم اللذان أنجبا طفلا فهما مستمرين في العناية بهذا الطفل حتى يكبر، أو كانت هذه العائلة أحادية والتي يترك أحد الوالدين دوره بالطلاق أو الهجر أو الموت فتقتصر تربية الطفل على الأب الأعزب أو الأم العزباء، أو كانت العائلة الخليطة ويقصد بها أن يتولى تربية الطفل زوج الأم أو زوجة الأب أو عائلة متبناة أو يتكفل بالطفل عائلة ذات الجنس الواحد[3]، أو يتولى الطفل معاهد تربوية حيث يجتمع مجموعة من الأشخاص ..
"فرجينيا ساتير بتصرّف"
يتبع ..

د.خالد محمد المدني


خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة


رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO.


دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا


للتواصل مع الدكتور خالد المدني


ch@olto.org




[1] وتأتي كذلك بمعني (الأسر المتعبة) بفتح العين أو (الأسر الصعبة). – المترجم - .
[2] وتأتي كذلك بمعنى (الأسر النامية) – المترجم -
[3] علاقة الشواذ جنسياً عندما يعيشون كزوجين في بيت واحد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق