من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
نظرية الاختيار (5)
تحدثت
في التدوينة السابقة عن الرؤية الإجمالية والرؤية التفصيليّة، وفي هذه التدوينة
أواصل الحديث عن التخيّل البصري
ـ التخيّل البصري
يوجد كذلك طريقتين لتخيل الصور، وهذا
يتوقف على طريقة الرؤية كما سبق وأن ذكرنا، إما تفصيلية أو إجمالية، فالطريقة التى
نرى ونتذكر بها الصور مسئولة تماماً عن أسلوب تخيلنا لهذه الصور، فالأشخاص الذين
يتخيلون بشكل إجمالي يستطيعون رؤية الخطوط العريضة للمشهد، ولكن بدون تفاصيل
واضحة، وقد يحزنهم عدم قدرتهم على تخيل التفاصيل، أما الأشخاص الذين يتخيلون
التفاصيل فيمكنهم رؤية مساحة صغيرة غنية بالتفاصيل ولا يستطيعون رؤية الصورة كاملة
بتفاصيلها، فهم فقط يستطيعون رؤية جزء من الصورة وقد يحزنهم عدم قدرتهم على رؤية
المشهد بالكامل، ويلعب التخيل البصري دوراً حيوياً في النمو المعرفي للإنسان، وهو
مفتاح التقدم في الميادين التقنية، ولكن حتى الآن لا يزال كثيراً من الناس محدودي
القدرة على التخيل البصري، كثيراً ما يستخدم العلماء والمهندسين الرسوم التخطيطية
لتساعدهم في عملية التخيل البصري، فهم ينظرون إلى المخطط ويختزنوه في ذا كرتهم،
ويقوموا بعمل تغييرات في الصورة ثم بسرعة يرسمون هذا التغيير، ثم يختزنون التغير
كخبرة ويعيدوا تكرار العملية مراراً، وبمجرد أن يتم تخيل الفكرة، عندئذ يتم
تخزينها كخبرة، وبعض العلماء العظام لديهم قدرات خارقة على التخيل الصوري، فالعالم
الفيزيائي إينشتاين على سبيل المثال كان قادراً على التخيل الصوري حيث شرح بالرسوم
ما قام بعمله عندما تخيل ما يمكن أن يحدث إذا انطلق بنفسه ممتطياً صهوة شعاع ضوئي
يجوب الفضاء، ويعد Nicoli
Tessala أحد العلماء العباقرة في هذا الجيل، وهو أحد
الذين تفوق قدراتهم كل العلماء المعاصرين، وقد اخترع أشياء لم يستطع أحد تكرارها
حتى الآن، وقدم اسهامات علمية لم يكن ليفكر فيها أحد من قبل، ويمتلك Tessala قدرة فائقة على تخيل وبناء ماكينة في
عقله (يقوم بتشغيلها) ويدعها ويعمل ثم يتركها لفترة زمنية (ستة أشهر مثلاً) تحت
التشغيل ويعود إليها بعد ذلك ليتفقد الأجزاء التي تحتاج للاستبدال أو الأجزاء
التالفة منها، والتخيل الصوري مهم للغاية في قراءة وحل مسائل الرياضيات ومهم
للغاية كذلك في كل مناحي النشاط الإنساني تقريباً ولسوء الحظ نحن نعيش في عصر
تتآكل فيه قدرات أفراد المجتمع على التخيل الصوري بسرعة كبيرة، وأحد الأسباب
الرئيسة لهذه الظاهرة هو ما يقوم به التليفزيون من تدمير لقدرات الناس على التخيل
الصوري، لأنه يقدم مشاهد صورية جاهزة، ولا يحتاج الأطفال لتشغيل مخيلتهم عند
التعرض له، فلديهم كل الصور التي يحتاجونها، أما الأجيال السابقة التي نشأت مع
الراديو تحفزت مخيلاتهم على الابداع الصوري، فعندما يستمعون للراديو يصنعون في
أدمغتهم سيناريو فيلمي يجسد ما يستمعون إليه، القراءة كذلك يمكنها تحفيز التخيل
الصوري، فالقراءة التي هي إحدى أهم الأسس للكثير من المهارات تحفز الخيال على خلق
فيلم في الدماغ يمثل مايتم قراءته، وأحد أسباب ما يلاقيه الأطفال من صعوبات أثناء
قراءتهم هو أنهم لم يتعلموا كيفية خلق هذه الأفلام في مخيلاتهم، وبدلاً من ذلك هم
يتعلمون كيفية نطق الكلمات، والتلفظ بالكلمات لا يجعل للقراءة معنى عند الأطفال،
ولكن تتحقق المعاني عندما يمرون على الكلمات فيخلقون من خلالها أفلاماً في أدمغتهم
تتضمن ما تجسده هذه الكلمات أو تقدمه لهم، وأحد أسباب المشاكل التي تواجه الناس في
مسألة التذكر هو أنهم لا يصنعون صوراً،
فمن السهل تذكر المعلومات من خلال تصويرها، وهذا هو السبب في أن معظم الناس
يستطيعون تذكر الحكايات بشكل جيد، والذين ينجحون في تذكر المواد التقنية هم الذين
أوجدوا طريقة لترجمتها إلى نوع من الصور أو الرسوم التوضيحية أو المخططات التي
يمكنهم تذكرها صورياً. وقدرتهم على التذكر ليس لها علاقة وطيدة بقدرتهم على
الاستدعاء ولكن علاقتها الوطيدة مع قدرتهم على ترجمة المعلومات في شكل صور، التخيل
الصوري هو أحد أهم مفاتيح التعليم، وطريقة تطوير ذلك تأتي بالعمل مع الأطفال من
خلال القراءة لهم ثم نتركهم ليصنعوا أفلاماً حول ما سمعوه، لذلك ندعهم يستمعون إلى
الراديو لبناء تخيلات مصورة في أدمغتهم حول ما سمعوه، وعباقرة البشر يستطيعون أن
يفعلوا أشياء معينة بالصور الموجودة في عقولهم ولا يستطيع غيرهم من البشر فعل ذلك.
وكثير من العلماء المبدعين يستطيعون تقسيم شاشة للعرض في عقولهم بحيث يشغلون في كل
جزء منها فيلم مختلف ويشاهدون الأفلام جميعها في الوقت نفسه، بل ويتمكن بعضهم من
تقديم مشاهد فيلم معين أو إرجاع أخرى بسرعات مختلفة، وهذه المقدرة تمكن العلماء من
الوصول لفروقات تفصيلية بين الأشياء بسرعة فائقة، كما تسمح لهم بتحديد بالغ
الكفاءة لأوجه الشبه والاختلاف، وكثير من العباقرة لديهم القدرة على القيام بمثل
هذه العمليات أو حتى القيام بما هو أعقد منها داخل عقولهم، كثير ممن نطلق عليهم
تسمية «المعاقين ذهنياً» لم تنمو قدراتهم على التعامل بفاعلية
مع لغة الحواس، نلخّص القدرة على التخيّل بتفاصيل ورؤية المستقبل بتفاصيل تنمّي العبقرية
عند الأفراد، وإذا أردت أن تنمي العبقرية لديك أو لدى أطفالك فهناك الكثير من
الأنشطة والتمارين التي سأذكرها لك الآن لعمل ذلك :
1) لعبة
الفروق السبعة من أفضل الألعاب لتنمية النظر التفصيلي وتخزين الخبرة بطريقة
تفصيلية .
2) لعبة
الي تلمسه الكرة يطلع برّه، والتي يجتمع فيها مجموعة من الأفراد من 10
- 12 وبينهم كرة قدم، والذي تصيبه الكرة يخرج
خارج اللعبة، تنمي النظر التفصيلي والإجمالي، وكذلك التفكير المنطقي لأنه سيخمن
اتجاه الكرة.
3) عجلة
الألوان التي توجد لدى بائعي الأصباغ ممكن أن تدرب عقلك على تدرجات الألوان، وتدرب
أبنائك أيضًا عليها، هذه الطريقة تنمي البصر الفروقي ترى الفروق الدقيقة بين
الألوان، ثم تبدأ تسأل أطفالك عنها في الحياة، فإن شاهدت معهم سيارة اسألهم مالون
هذه السيارة؟ هناك طريقة كنت أعملها مع أبنائي زادت لديهم طبيعة الفروق البصري مع
التخيّل الفروقي، أروي لهم قصة مجازية فيل مع أرنب، ثمّ أثناء القصة أسألهم مالون
الفيل؟ طويل أم قصير؟ من يصف لي خرطومه، عاجه؟ وهكذا أسأل بالتفاصيل فيروون لي
بالخيال بالتفاصيل، ثم أسأل عن الأرنب، وهكذا، مرة أخرى إذا خزنت الخبرة بالتفاصيل
فسوف تسترجعها بالتفاصيل فكأني كنت أعمل معهم التالي:
ـ أسترجع الأحداث في الخيال إلى
الحاضر فكأنه يرى الفيل الآن،
ـ يصف هذا الفيل وذاك الأرنب
بالتفاصيل فكأني أعدت له تصوير الخبرة من جديد.
ـ
سوف يتذكرها مستقبلاً بالتفاصيل، قدمنا مقدمة جيدة عن الحاسة البصرية لأنها
المتعلقة معنا في الصور الذهنيّة.
..
يتبع ..