من مقالات
الدكتور خالد محمد المدني
تحرّر
من قيودك (9)
في
التدوينة السابقة تحدّثت عن التكنيك الثاني للتحرّر من القيود وهو: لكلّ حدث
قراءتان كما أنّ لكلّ عملة وجهان، وفي هذه التدوينة أتحدث عن الطريقة الثالثة
وهي: قوّة الإختيار، الله سبحانه وتعالى منحك الإختيار هبةً لا اكتساباً
ومنحةً لا صناعة فقال سبحانه :"وهديناه النّجدين" أي ألهمناه طريقين
يختار بينهما، والطريقين واضحين : الخير والشرّ، الفلاح والخسارة، السعادة والشقاء،
وفي موضعِ آخر قال: "فألهمها فجورها وتقواها" أي غرس فيها القدرة على الإختيار بين الفجور
والتقوى، النافع والضّار، الحسن والقبيح .
إذا
كان الله خلق فينا الإختيار، وجعله ميزةً للإنسان عن الحيوان، فلماذا لايختار أكثر
البشر؟ السبب واضح لأننا تربينا في مجتمعات برمجتنا على أن يختار الآخرين عنّا،
وفوّضناهم بغفلة دون وعي ليمارسوا قوّة الإختيار بدلاً منّا وظنّنا وصدّقنا أنّنا
لانستطيع الإختيار، الإنسان هو الكائن الوحيد الذي لديه اختيار ويستطيع تحمّل آثار
هذا الإختيار " لاإكراه في الدين قد تبيّن الرّشد من الغيّ" فإذا
كان أعظم شيء وأشرفه هو معتقدك فوّضك الله باختياره وتحديده فما ظنّك بما هو دونه،
تذكّر أنّ تفويضك لحقّ الإختيار الخاص بك للآخرين فيه مصادرة لعنوانك، وهوّيتك،
وإنسانيّتك.
سأًطبّق
تطبيقاً عملياً على قوّة الإختيار في المثالين السّابقين اللّذين طبقنا عليهما في
التدوينة السابقة: لكلّ شيء قراءتان كما أنّ لكلّ عملة وجهان، وهم قيد الوظيفة
، ، وقيد الخوف من المرض، وقيد الماضي:
أولاً:
قيد الوظيفة:
صالح
تعيّن في وظيفة لايحبّها ولا يشعر بذاته أصلاً فيها، وليس لديه كثير عمل يعمله
قالوا له: فقط وظيفتك مراقبة دخول وخروج الطلاّب في الصّباح وعند الإنصراف، صالح
اختار أن يتعلّم ولا يتألّم من هذه الوظيفة فجلب معه مجموعة من الكتب يقرأها وقت
فراغه فيقوم صباحاً نشيطاً يؤدي مهمته بكلّ إخلاص، وبعد ذلك ينكبّ على الكتب التي
أحضرها قراءة، وتلخيصاً، وتعلّماً بل أصبح ينقل هذه المعلومات لأصحابه إذا التقى
بهم، قرّر صالح أن يكمل دراسته الجامعيّة منتسباً لإحدى جامعات المملكة وهو الآن
في السنة الأولى منها، لو شخصٌ آخر مكان صالح ألا تتوقعون أنّه اختار الإنفعال على
الأفعال وربما فصل من وظيفته.
ثانياً:
قيد الماضي:
سعد
شتمه شخصٌ في مجلس من المجالس، لكنّ سعداً لم يردّ عليه، وبعد مرور خمس سنوات على
هذه الحادثة إلاّ أنّ سعداً مازال يتألّم من هذه الحادثة ويلوم نفسه لماذا لم أردّ
عليه، وأوقفه عند حدّه، ماذا يقول سعدٌ لنفسه حتى يختار الفعل الصحيح، هو يعرف أنّ
هذه الحادثة انتهت، وانقضت وربما من فعل ذلك يلوم نفسه الآن أكثر من سعد نفسه،
قرّر سعد أن يشغّل عقله بما ينفعه ، وعرف أنّ لكل حادثة قراءتان كما أنّ لكلّ
عملة وجهان، وقرّر أن يختار: أن يسامح ذلك الشخص فمن سامح وغفر فأجره على الله،
تذكّر سعد قصّة أبو بكر الصدّيق ـ رضي الله عنه مع مسطح الذي نال من عرض أمّ
المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها، وكان الصدّيق يصله بمال فاختار أن يقطع عنه
الصّلة فأنزل الله:"ولا يأتي أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى
والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبّون أن يغفر الله لكم
والله غفورٌ رحيم" ، فقال الصدّيق بلى: أحبّ أن يغفر الله لي فأعاد الصّلة،
وقد يختار سعدٌ أن يذهب لذلك الشخص ويصارحه بالموقف الذي حصل معه لأنّ سعداً يعلم
أنّ الله منحه قوّة الإختيار ومن قوّة الإختيار أن يفعل ولا ينفعل.
ثالثاً:
قيد الخوف من المرض:
أعرف
شخصاً جاءني في مكتبي الإستشاري وقد أًصيب بالسكّر، لم يأتني يطلب استشارة كيف
يتعايش مع هذا المرض بل جاءني يسأل عن كيف يطوّر ذاته، ويزيد من وعيه، لكنّه أخبرني
بقصّته وكيف أُصيب بالسكّر، وكيف كان أمامه مفترق طريقين: إمّا أن ينفعل مثل معظم
بقيّة البشر، أو يفعل؟ فاختار الفعل على
الإنفعال، يخبرني فيقول: قرّرت أن ألتزم حميةً غذائيّة، ورياضةً يوميّة كان
وزني حينها : 140 كيلو جرام، والآن وبعد سنتين وزني أصبح 70 كيلو غراماً، مستمتع
بحياتي، والسكّر تحت سيطرتي أنا أسيطر عليه هو لايسيطر عليي أنا ألعب به هو لايلعب
بي، مازلت أبحث عن علاج له لأنني اخترت فكرة :"تداوو عباد الله فما أنزل
الله من داء ألاّ وأنزل معه دواء علمه من علمه وجهله من جهله" حديث نبي الرحمة
عليه الصلاة والسلام وفي يوم من الأيّام سوف أتخلّص منه نهائيّاً، هذا الأخ اختار
أن يتحرّك لعلاج المرض، لم يخف منه ويخشاه ويتركه يدمّر ذاته لانّه يعلم أنّ المرض
قضيّة، والموت قضيةٌ أخرى منفصلةٌ عنها، فالموت ليس له سبب.
يُتبع
..
د.خالد محمد المدني
خبير القيادة من المركز
الأمريكي للشهادات المهنيّة
رئيس مجلس إدارة منظّمة
أكسفورد للتدريب القيادي OLTO
دكتوراه الإدارة من جامعة
السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا
للتواصل مع الدكتور خالد
المدني