من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
تكيّف مع الحياة وتعلّم التفاؤل (1)
في
هذه التدوينة والتدوينات القادمة بإذن الله سوف أتحدث أخي القاريء..
أختي القارئة عن موضوع هام جدّاً هو سبب تشاؤم الكثير في هذه الدنيا وهي الأحداث
المؤلمة التي تصيب الناس والابتلاءات التي قدرها الخالق عليهم والمشكلة ليست في هذه
الإبتلاءات أو تلك الإختبارات بل في آلية تعامل البشر معها فهم يتعاملون بطرق
خاطئة تصيبهم بشتى أنواع الأمراض وهم لايشعرون..
لم
تهزّني كلمات في الدنيا كما هزّتني تلك الكلمات التفاؤليّة التي خاطب بها نبي
الرحمة حبر الأمة وفقيهها عبدالله بن عباس وهو ابن عشر سنين وكان رديفه على
الدّابّة: (يَا غُلام إنِّي أُعَلِّمُك كَلِمَاتٍ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْك، احْفَظْ
اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَك، إذَا سَأَلْت فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْت
فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ
يَنْفَعُوك بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوك إلاّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَك،
وَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوك بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوك إلَّا بِشَيْءٍ
قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْك؛ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتْ الصُّحُفُ" ،رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ [رقم:2516] وَقَالَ:حَدِيثٌ حَسَنٌ
صَحِيحٌ، إنها كلمات لكنها ليست مجرد كلمات بل هي منهج حياة روحي ونفسي، بل و وقائي أيضاً من منغّصّات الحياة وتقلبّاتها، بل
هي كلمات في فن الحياة الطيبة، كما لم تهزّني كلمات في التشاؤم كمثل تلك التي
قالها ذلك الأعرابي الذي عاده النبي عليه الصّلاة والسّلام وكان محموماً كما روى
البخاري في صحيحه عن بن عباس رضي الله عنهما قال: دخل رسول الله عليه الصلاة والسّلام على أعرابي يعوده فقال له نبينا المتفائل دائماً لا بأس عليك طهور إن شاء الله فقال الأعرابي طهور بل هي حمّى تفور
على شيخ كبير تزيّره القبور قال النبي صلى الله عليه وسلم فنعم إذا) وفي رواية قال له عليه الصّلاة والسّلام: (هي
كما قلت)، وفي رواية ثالثة أنه توفي في اليوم الثاني، هذا الموقف أخي الكريم ..
أختي الكريمة لا يعكس حال هذا الأعرابي فقط بل حال كثير من الناس يتشائمون تشاؤماً
عالياً عندما يبتليهم الله بالمصائب والأمراض والعلل فيفشلون في استخدام
استراتيجية مناسبة للتعامل مع المرض الذي هو كحدث أعتبره طبيعي يصيب الجميع حتى مع
الأمراض التي يسميها الأطباء مستعصية مع أني لا أؤمن أن هناك مرضاً يستعصي على
الدواء إلاّ الموت فقد أخبرنا حبيبنا عليه الصلاة والسلام بذلك في سنته وكفى به
مخبراً بأبي هو و أمّي حيث قال في الحديث الذي رواه أسامة بن شريك
عن النبي صلى الله عليه وسلم: (تداووا يا عباد الله فإن الله لم يضع داء إلا وضع
له شفاء إلا داء واحداً الهرم).متفق عليه، وفي رواية لمسلم أنه قال عليه الصلاة
والسلام: (لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله تعالى)، وفي رواية لابن ماجة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله
عليه الصلاة والسلام قال: (ما خلق الله من داء إلا وجعل له شفاء علمه من علمه وجهله من
جهله إلا السّام والسّام الموت)، هذه الأحاديث الثلاثة كلّها تدلّ على أنّ لكل مرض
نفسي أو عضوي علاج وكون الطبّ الحديث لم يتوصّل إليه فلا يعني عدم وجوده، هذا أولاً
وثانياً: لايوجد مرض مميت وآخر غير مميت ما أفهمه أنه يوجد عمر للإنسان فإن انقضى فقد تميته إنفلونزا بسيطة، وقد ينام الفرد فلا
يستيقظ، فكم من أشخاص توفّاهم الله وهم أصحّاء، وكم من مرضى عاشوا سنيناً وقد
أخبرهم الأطباء أنّ أيامهم باتت معدودة، وفي الحديث الصحيح: (إنّ روح القدس نفث في روعي أنّ نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها، و
تستوعب رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن
يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته). رواه أبو نعيم في
الحلية من حديث أبي أمامة، وصحّحه الألباني في صحيح الجامع برقم (2085)، هذا الحديث
أساس في توكّل المؤمن على الله واعتقاده أن المرض والشفاء بيد مقلّب القلوب
وعلاّم الغيوب، أمّا الأطباء فهم بشر يخطئون في تقديرهم بل يبالغون أحياناً في
التشاؤم، ووصف حقيقة المرض الذي يعاني منه المريض، ومن هنا جاء هذا الكتاب الذي
عنونته من قصة الأعرابي: (لا بأس طهور إن شاء الله)، محاولة منّي في رسم استراتيجية
نفسية شاملة للتكيّف مع الأمراض التي يسمّيها الطبّ الحديث مستعصية، الله
يبتلي عباده ليختبر صبرهم، والتعامل مع
المصائب حين وقوعه، ما دعاني إلى الكتابة في هذا الموضوع هو كمّ التشاؤم الذي يصيب
شريحة من الناس عندما يبتليهم الله بهذا المرض أو ذاك فيعطّل سير حياتهم، ويجعلهم
يتقوقعون حول ذواتهم سلباً، ويحرقون أعضاءهم بالحزن ممّا يبطيء العلاج بل ربّما
أثّر عليه سلباً.
يتبع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق