من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
كيف يكون القائد مؤثّراً ومحفزاً لأتباعه على الإنجاز ـ 1
بعد انقطاعنا في شهر رمضان المبارك أعاده الله علينا وعليكم
بالخير، والصحة، والعافية، أعود لكتابة تدويناتي الأسبوعيّة، وقد اخترت هذا
الأسبوع، والأسابيع القادمة بمشيئة الله الحديث عن صفات القائد المؤثّر لسببين:
الأول : لأهمية القيادة في صناعة جيل التغيير.
الثاني:
لكثرة الطلب الذي وردني عبر وسائط
التواصل الإجتماعي في تويتر، والفيس بوك، وكذلك عبر الإيميل من كثير من الإخوة
والأخوات يدعونني فيه للكتابة عن هذا الموضوع، فآثرت أن أبدأ سلسلة هذا الموسم
بهذا الموضوع بإذن الله، ولكي نحافظ أيضًا على توازن رؤية مدونتنا (القيادة ـ الذات ـ الفكر) فلنبدأ على بركة الله:
حدّد روبينز أنماطاً للقادة اعتبرها أبرز مايميز القائد
المؤثّر وهي أربعة:
1)
القائد
المثالي :هو المؤمن الصادق الذي تقوده الأفكار الصحيحة،
والمثاليون قادة مهمون لأنهم يضفون وضوحاً كبيراً على مهمة القيادة إنهم يضفون توقعات
وطموحات دقيقة بموجب الفكرة التي يعتقدون أنها صحيحة لكن القادة المثاليين قد يصطدمون
بالمتاعب لأنهم أصحاب قيم لايتنازلون عنها، ومباديء يكافحون من أجلها، فإذا كانت أفكارهم
خاطئة فهم لا يعترفون بخطئها بسهولة
حتى يثبت لهم ذلك بالدليل القاطع.
2)
القائد
الناصح : هو باني الأفراد، وهذا النمط من القادة يرون أنّ من أولى مهامهم تفويض الآخرين
وتدريبهم وتطويرهم إلى أن يصبحوا
قادرين على إدارة أنفسهم بأنفسهم، وهم
يهتمون اهتماماً حقيقياً بالآخرين ويودون أن يعطوهم نتائج طيبة، والأفراد عموماً في
المنظمة يحبون أن يكونوا بصحبة هذا النوع من القادة، ويميل القائد الناصح إلى أن يكون
عملي لا نظري ولديهم فكر مرن وعيونهم مركزة
دائماً على المستقبل البعيد والقائد الناصح من صفاته أيضًا أنه محفز للآخرين.
3)
القائد
المنجز: هو القائد
المتحمس الذي يشع طاقة، القادة المنجزون هم المحفزون النهائيون والمفوضون، يتواصلون
مع الآخرين بشكل واضح، ولديهم ذكاء عاطفي عال وفي المقابل نجد أن القائد المنجز له
سلبيات منها:
أ
أنه في سبيل الحصول على نتائج قد لا يقدرون
من يعمل معهم من المرؤوسين.
ب
بسبب أن المنجزين متحمسون قد يعتقدون أن
من يعمل لديهم معدوم الطاقة.
ج
إذا فشلوا فإنهم يشعرون بالإحباط.
4)
القائد
المبدع :هو القائد الذي يعتمد عليه يسمّى
الوتد المستدير في الحفرة المربعة فالقيادة عند المبدع تمتد بجذورها إلى الإبداع وإلى
السعي وراء التغيير (وبينز، 1426هـ،60 ) وأشار
خيرالدين جعلوك - في كتابه المُلهم القادة يولدون أم يُصنعون، والقيادة ولادة أم
صناعة؟ إلى نظرية الرجل العظيم في القيادة وحدّد السّمات المطلوب توفرها في القائد
منها نظرية السمات الفردية فهناك سمات ومزايا فردية لابد أن تتوفّر له حتى يمكن وصفه
بالكفاءة والفعالية، فحسب نظرية الرجل العظيم فإن عدداً محدوداً من الناس يتمتعون بمثل
هذه الصفات، وأن القادة يولدون ولا يصنعون حسب وجهة نظر جعلوك وإلاّ فإن هذه
المسألة فيها خلاف كبير بين علماء الإدارة، وقد تحدثت عنها في تدوينة مستقلّة
فليُرجع إليها، ويقصد جعلوك بأنهم يولدون أي أنّ هذه الصفات فطرية موروثة وليست مكتسبة،
ومنذ القديم كانت هنالك صورة القائد البطل الذي يهبه الله طاقات غير عادية تجعل منه
إنسانا خارقاً، وبناء على الاستقصاءات التي قام بها أصحاب نظرية الرجل العظيم هذه التي
حاولوا من خلالها استقراء واستنتاج أهم هذه المواصفات التي وجدت أن القائد لابد أن
يتمتع بها فقد وجدتها ـ والكلام لجعلوك ـ تتمثل على شكل:
1)
مهارات
ذاتية: وهي ما
يتعلق بالسّمات الجسدية، والقدرات العقلية، والمبادأة والابتكار وضبط النفس..
.الخ ، وأما السمات الجسدية فتشتمل
على بعض المواصفات كالقامة والهيئة والاستعدادات الفسيولوجية كالصحة الجسدية والنفسية
ومدى قدرتهم على التحمل تجاه الضغوط الجسدية والنفسية والعصبية
.الخ، إضافة إلى معرفتهم بكيفية استخدام هذه الطاقات
الجسدية والعصبية بحكمة، وأما السّمات العقلية فتشتمل على الاستعدادات الفكرية والعادات
الذهنية والاعتقادات الأساسية والتي تختلف من بيئة إلى أخرى، وأهم السمات الفكرية:
"الذكاء"
والذي يتميز صاحبه غالباً:
بالقدرة على التصور والتخيل مما يمنحه القدرة على الفهم العميق والشامل
للأمور، وتقبل الأفكار الجديد. .. الخ، وسمة روح الدعابة والمرح التي تساعده على إقامة علاقات ودية
مع مرؤوسيه، وتنأى به عن التزمّت والصرامة غير المحببة، ومع ذلك فسمة الذكاء وحدها
غير كافية ليكون صاحبها قائداً ناجحاً، رغم أنها سمة لوحظ أنها مصاحبة لنجاح القائد
دائماً، وتعني سمة المبادأة والابتكار أن صاحبها يسبق غيره بالاقتراح والعمل، ولا يضجر
من موظفيه ومناقشاتهم، أو يلجأ إلى أسلوب الفرض.
وتتميز شخصية صاحبها بالشجاعة والقدرة على الحسم وسرعة التصرف والقدرة
على توقع الاحتمالات وابتكار الوسائل الكفيلة بمواجهتها ويساعده في ذلك ثقافته ومعرفته
بالماضي والحاضر. .. الخ،
كما قال عليه الصلاة والسلام : "ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه
عند الغضب"
وتعني سمة ضبط النفس القدرة على ضبط الحساسية وقابلية الانفعال
ومنعها من تعويق القدرات الجسدية والنفسية، كما تنعكس على المرؤوسين إيجاباً بالتصرف
والعمل بكل هدوء وثقة وعدم اضطراب، وهي كما يلاحظ تتعلق بالاتزان والنضج العاطفي والانفعالي
للقائد الناجح فهو:
1)
لا
يضيع الجهود المبذولة في الفترة الماضية عن طريق التلفظ أو التصرف بما يسيء إلى الآخرين
في لحظة إجهاد كثيراً ما يتعرض لمثلها أو يصدر قرارات مبتسرة، كما لا يسمح للحياء أو
التهيب أو غير ذلك بالتأثير على قراراته وتصرفاته إلا أن الأمر لا يصل به إلى التجرد
التام من عواطفه ومشاعره، بل فقط يتحكم بها ويوجهها في الاتجاه الصحيح.
2)
الخبرة والاختصاص:
المهارات الفنية وهي المعرفة العلمية والفنية والقدرة على استخدامها
جيداً باتجاه تحقيق الهدف، ويمكن التوصل إلى هذه المعرفة بالدراسة والخبرة والتدريب
وهي على كل حال: سمة أكثر تحديداً من غيرها
أي يمكن بسهولة التحقق منها، كما أنها تساعد صاحبها على التحليل في مجال التخصص وتبسيط
الإجراءات واستخدام الوسائل والأدوات.
. . ، وهي من جهة أخرى مألوفة ومطلوبة لا سيما في
شغل الوظائف القيادية في العصر الحاضر ثم إنها سهلة الاكتساب، ولعل توفر هذه المهارات
الفنية العالية والثقافة المناسبة للقائد توفر له عدة أمور:
أ- تمنحه الثقة بالنفس وتحمل المسؤولية كما تساعد على التفهم الشامل
والعميق للأمور وتشير كثير من الدراسات في علم النفس أن بناء تقدير الذات يعتمد على
الإنجاز الذي يحققه الفرد.
ب- تعطيه القدرة على الحزم كلما كان ذلك ضرورياً مع عدم إغفال شعور
مرؤوسيه.
ج-الإيمان بالهدف وإمكانية تحقيقه، مما يذكّي الحماس لدى مرؤوسيه،
ومع أن سمة التخصص الفني مهمة في مسألة نجاح القائد في مجال تخصصه إلا أنها ليست كل
شيء بل لابد أن يتمتع بالسمات الأخرى أيضاً ليكون ناجحاً.
3)
التعامل
مع الأفراد(المهارات الإنسانية):
إذا كانت المهارات الفنية تعني التعامل مع الأشياء، فالمهارات الإنسانية
تعني التعامل مع الأفراد وهي لذلك أصعب اكتساباً من المهارات الفنية وأكثر أهمية من
غيرها من السمات لما لها من ارتباط بحسن بناء علاقاته مع مرؤوسيه ومنحه القدرة على
استيعاب رغباتهم وترسيخ ثقتهم من جهته، وتحقيق الأهداف التي يرغب بتحقيقها، ويعمل على
التأثير عليهم من خلال هذه المهارات الإنسانية من أجل إنجازها بكل فعالية واندفاع من
جهة أخرى، لذا فإن مثل هذه المهارات لابد أن تنطوي على اتصاف القائد بالاستقامة والأمانة
وحسن الخلق، مما يجعله القدوة الحسنة في نظر مرؤوسيه.
4)
المهارات
الذهنية: هي المهارة التي تجعله بعيد
النظر في كيفية التفاعل بين الأمور داخل منظمته أو تفاعلها مع البيئة الخارجية وهي
التي تسمح
بحسن استخدام مهاراته الأخرى ولاسيما مهاراته
الإنسانية.
وتتبدى أهميتها بصورة أكبر كلما ارتفع المستوى الإداري ففي المستويات
العليا للإدارة تصبح المهارات على أعلى درجة من الأهمية ويمكن التمييز هنا بين المهارات
السياسية والإدارية:
فالمهارات السياسية مثلاً تعني قدرة القائد الإداري على تفهم العلاقة
بين منظمته كجزء من المجتمع الذي تعمل من خلاله بمفاهيمه ومعتقداته السياسية والاجتماعية
ومثله العليا وبين هذا المجتمع، وقدرته بالتالي على التوفيق بين أهدافه وأهداف المجتمع
ما أمكن، وأما المهارات الإدارية فتتعلق بقدرته على استيعاب أهداف التنظيم وممارسة
مهاراته الإدارية بما يتلاءم مع تحقيقها مع عدم إهمال متطلبات المرؤوسين وإشباع حاجاتهم
وتتجلّى مهاراته هذه في:
أ- قدرته على التخطيط.
ب- توزيع العمل بشكل عادل.
ج- وضع معدلات الأداء بموضوعية.
د- إبراز وتطوير قدرات مرؤوسيه وتدريبهم، وتمكنه من الاستفادة القصوى
من إمكانيات التنظيم فيضع الرجل المناسب في المكان المناسب ويوضح خطوط التنظيم ويوجه
كفاءات وسلوك مرؤوسيه بصورة منسقة ويحمّلهم مسؤولياتهم ثم يمارس عليهم الرقابة بكل
كفاءة، كما تضمن المهارات الإدارية قدرة القائد على اختيار أفضل الأساليب للحصول على
أعلى قدر من الإنتاجية، والتنسيق والتخفيف من مركزية القرار، ومقاومة الجمود، وكسب
موظفيه وحل مشاكلهم إضافة على قدرته على الاتصال مع الآخرين وتوضيح أهداف التنظيم.
يتبع ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق