من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
كيف تُشبع حاجتك إلى القوّة؟
كيف
تُشبع حاجتك إلى القوّة؟ عبدالله رجلٌ مثقّف بمعنى الكلمة واسع الإطلاع محبّ للعلم
بشغف منقطع النظير، عبدالله عندما يعرض وجهة نظر أو يشخّص قضية أو يتحدث عن الذوق
واللباقة فهو يكون قد أوفى الموضوع حقه ومستحقه وأحاطه من جميع جوانبه أو هكذا هو
الحال كما يعتقد عبدالله على الأقل، مشكلة عبدالله مع الآخرين أنهم لايقتنعون
كثيراً بما يقول مما يدفعه إلى الإنفعال والشد والرد والتشنّج في الرد، وغالباً ماتنتهي
نقاشاته مع الآخرين بالزعل، وكم من علاقة قطعها بسبب حنقه على من لايفهم، خاصة أنه
درس وفهم وبعمق علم أنّ الصواب في هذه القضية أو تلك وهو ماتوصّل إليه بوعيه وعينه
الناقدة . ماقصة عبدالله ولماذا لايفهمه أحد؟ الحاجة
للقوة تُعتبر من الحاجات الأساسية لدى البشر وتعني القوة السيطرة أن يكون لديّ
سلطة فهذه الحاجة عندما يحصل فيها نقص يختلّ التوازن السلوكي لدى الشخص وهذا
الاختلال سببه تشكّل صورة ذهنية وهي أداة العقل لإشباع الحاجة التي نقصت فيسعى
كيانك كله بانفعالاته وتفكيره وفسيلوجيته بسيطرة وحركته أحد عناصر السلوك الأربعة
لتحقيق هذه الصورة في العالم الخارجي فإن تحققت زال الاختلال وعاد الاتزان وإن لم
تُحقق استمرّ الاختلال وزاد ، البشر لديهم صوراً متعددة لإشباع الحاجة للقوة فهناك
من يراها بالمال وهناك من يراها بالجاه، وثالثٌ يراها بالمنصب، ورابعٌ بالعلم،
مشكلة البشر أنّ أكثرهم لم يفهم طبيعة القوة فعوضاً عن أن يوجّهها للداخل وجهها
للخارج بدلاً عن أن يشبع حاجته للقوة بالإنجاز وجهها للسيطرة على الآخرين، صاحبنا
عبدالله أعتقد أنه غافل ظنّ أنّ إشباع القوة لديه بصورة واحدة وحيدة لكنها حادّةً
متطرّفة نفّرت عنه الناس بل أقرب الناس إليه وهي زوجته وهي الثقة بما يقول إلى حد
التقديس لآرائه فأصبح لايناقشه أحد بل يسايرونه ليس قناعةً بما يطرح بل اتقاء
انفعالاته وردود أفعاله، عبدالله في حواراته كان يقوده العنصر الانفعالي وهو الذي يسيطر
عليه، تبصير عبدالله سيكون من زاويتين :الأولى: أن يعلم أنّ لديه صوراً عديدة
لإشباع القوة غير الحوار والنقاش، فالمال قوة والعلم قوة والسفر قوة فعليه أن يكون
مرناً في صوره ليستقيم الحال ويتغير المآل .ثانياً
: أن يتخلّى عن
ممارستين: الإلزامات والإنفعالات فإن كان له جهدٌ فلينفقه في تزيين رأيه وتجميله
فيعرضه ولا يفرضه، مشكلة عبدالله كانت بالإلزام فإن لم يستجيبوا أتبعه بالإنفعال
وكأن إقناع الآخر قضية الدنيا ومشكلة الحياة الكبرى، فكان يلوم، ويحقّر، وينتقد،
وأحياناً يهدّد، والآن بعد أن استبصر عبدالله فعليه أصبح يعرض فينصت لمحدثه،
ويشجّعه، ويحترم رأيه، ويقدّر زاوية نظره هو أصلاً بدأ يتقبله كما هو وتخلّى عن
فكرة تعديل سلوكه لأن كل إنسان حرٌ بتصرفه خرٌ بزاوية نظره، وتخلّى عن أن يفرض وسأل
نفسه هل أريد الاتفاق أم الافتراق فكان يوافق ويخالف وفي الحالتين كان يعرض ولا
يفرض كم واحد منّا يتمنى أن يكون عبدالله بعد الاستبصار.