من مقالات
الدكتور خالد محمد المدني
أحداث الحياة هل تؤثّر بنا فقط أم تؤثر بنا وتقودنا؟وكيف
نواجهها؟
تأمّلت ردود أفعال الناس واستجاباتهم لأحداث
الحياة فوجدتها متباينة متنوعة فهذا عندما خسر تجارته انكفأ على ذاته اعتلّ واختلّ
ورأى الحياة سوداء قاتمة، وأصابته أمراضاً جسدية فأصبح مدمنٌ لآلام القولون العصبي
وأقسم ألاّ يخوض هذا المجال مرة أخرى أين هو والتجارة فلها أهلها وهو ليس من أهلها
هكذا يزعم وآخر أصابه ذات الحدث خسر كل تجارته فاعتلّ واختلّ لكنه نهض من جديد
تألّم لكنه تعلّم من خسارته وأسّس مشروعاً جديداً ونجح به؟ فلماذا استجاب الأول
بهذه الطريقة وكانت استجابة الثاني بتلك الطريقة، ثالثٌ فقد والدته في عملية جراحية
كانت صحتها جيدة حصل لها اختلالٌ بسيط في القلب ممّا استدعى الأطباء أن يقرّروا
لها عملية توفيت أثناء العملية فاعتلّ هذا الابن لمدة اعتبر ذلك من أحداث الحياة
الطبيعية فالموت حدث كما أنّ الحياة حدث وفي الكون أقدار "الكون هو العالم
الخارجي الذي نعيشه"وفي الكيان اختيار" الكيان أنا وأنا من يختار طريقة
استجابتي للأحداث" فهو تأثّر وتألّم وبكى واعتبر كل ذلك تعبيرٌ طبيعي لأنها
شحنات انفعالية ينبغي أن تمر وتعبر ف"العين تدمع والقلب يحزن" كان يمشي
ويمارس الرياضة لأنه يعتقد أنّ الحزن طاقة ينبغي أن توجّه لا أن تواجه، شخصٌ رابع
حصل له ذات الحدث فقد والدته فتوقفت الحياة بالنسبة له فاكتئب واعتزل الحياة قضاها
حزناً في حزن فإن تكلّم تكلّم عنها وإن تألّم تألّم بسببها توقف عمله وعلاقاته
وحياته وأنشطته عند حادثة فقدها تكالبت عليه الأمراض فقد أُنسه ومتعته وبهجة
الحياة أصابه مرض السكر بسبب ذلك ماالفرق بين الحالتين من خسر تجارته ومن فقد عزيزا .. كلا الحالتين من خسر تجارته وانكفأ واعتزل ومن نهض من فقد
والدته فحزن لفترة ثم نهض ومن أوقف ساعة زمانه على وفاتها .. الفرق بينهما في
مقدار الوعي والغفلة في البرمجة في الإطار الذي رسمه المجتمع وحددته الثقافة وفي
القدرة على كسر الإطار والخروج من الشرنقة، الوعي يعني كسر البرمجة والغفلة تعني
السقوط في البرمجة فمن خسر تجارته وانكفأ عليه أن يعلم أن الفعل لا الانفعال هو من
سيغير واقعه وأنّ الأحداث تؤثر بنا لكنها لاينبغي أن تقودنا فما حصل في الماضي
أقدار وما يحصل في الحاضر والمستقبل اختيار فعليه أن يختار الفعل لا الانفعال
التحرك لا الانكفاء، ومن فقد والدته ينبغي عليه أن يعلم "أنّ العين تدمع
والقلب يحزن - هذا قدر التأثير" لكنه عليه أن يعلم" ولا نقول إلاّ
مايرضي ربنا" ولا يرضي ربنا التألم المستمر والانكفاء عن الحياة وتدمير الذات
لكنه لابدّ له من جرعة وعي مركّزة وهي أنّ نفساً لن تموت قبل استكمال حياتها
واتمام رحلتها لم تكن العملية سبباً للموت ولن تكون بل دنو الأجل واقتراب ساعة
الرحيل هو السبب "فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولا يستقدمون""لن
تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها وأجلها" وتأمل يارعاك الله "حتى
تستكمل" وحتى غائية أي كل رزقها وكل أجلها، وفي الموت خير "وعسى أن
تكرهوا شيئًا وهو خير لكم " وفي أحداث الحياة تدريبٌ عملي على مواجهة أحداثها
، ومن يعلم أين الخيرة؟ قد نكتشف ذلك وقد لانستطيع اكتشافه لكنه خير لعلّ منه
راحةً للمريض من شيء أعظم ، فيامن تخشى المستقبل وتحاذره قم وأزل عنك غبار الغفلة
وتنظّف بماء الوعي فلن يقع في كون الله إلاّ ماقدره الله ، خالقك زودك بقوة الاختيار
فاختر الفعل لا الانفعال، اختر أن تكون قويًا لا ضعيفاً واعياً لا جاهلاً، أحداث
الحياة لا لون لها ولا طعم ولا رائحة هي محايدة نحن من يلوّنها ويصنع طعمها ويضيف
لها رائحتها فلوّن أحداثك بالألوان التي تُحب وأضف عليها المذاقات التي ترغب واختر
لها الروائح التي عندما تستنشقها تشعر بلذتها.
د.خالد محمد المدني
خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات
المهنيّة
رئيس مجلس إدارة منظّمة
أكسفورد للتدريب القيادي OLTO.
دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة
للعلوم والتكنولوجيا
للتواصل مع الدكتور
خالد المدني