من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
تنمية الإنسان عقلاً وروحاً وجسداً
تحدثنا في التدوينة السابقة
عن علاقة العقل والروح بالجسد، ونواصل في هذه التدوينة الحديث عن طبيعة هذه
العلاقة الوثيقة
ـ هناك عقلاً
يتحكم في هذا الدماغ وقد ذكر ذلك عالم الأعصاب المشهور ECCLES الحائز على جائزة نوبل
لأبحاثه القيمة في الجهاز العصبي إذ يؤكد هذا العالم أنه لايمكن تفسير المعلومات
التي توصّل إليها الباحثون عن نشاط الدماغ الإنساني والجهاز العصبي إلا بوجود عقل
أو نفس مدركة تحكم النشاط العصبي والسلوكي للإنسان ويشبه هؤلاء العلماء الدماغ
بجهاز التلفزيون والعقل بمحطة الإرسال فإن حصل عطب في التلفزيون تشوهت الصورة التي
ينقلها أو تختفي بالمرة، يقول يوتال في كتابه القيم The Psychobiology Of
The Mind:
"إن جميع الكشوفات والأبحاث الحديثة في
التعرف على عمل الدماغ الإنساني لم تساعدنا في حل عقدة الإنسان التاريخية عن صلة
جسمه بعقله بل إن هذه المعلومات لم تزد على أن بدلت من تفاصيل المسائل المطروحة عن
هذه المعضلة بأسئلة أخرى وأن الأسئلة الجوهرية التي طرحت في أيام أرسطو منذ أكثر
من ألفي عام مازالت تنتظر الإجابة الشافية".
ـ ومع ذلك نستطيع
الجزم بأنّه بالرغم من هذا التعقيد استطاع علماء النفس المعرفي التعرف على كثير من
خفايا النشاط الفكري والعقلي الداخلي للإنسان وصلته الدقيقة باللغة، كذلك استطاعوا
مع علماء الحاسبات الإلكترونية وضع برامج مبسطة لتوضيح الأساليب التي يستخدمها
العقل البشري في تصنيف المعلومات.
ـ المفاجأة
المذهلة في علم النفس جاءت من علماء النظرية النسبية اللغوية على يد WHORF الذي اعتبر أن خصائص اللغة
التي تتحدثها جماعة معينة هي التي تحدد وسائل تفكير تلك الجماعة وتصورها
للواقع الذي تعيش فيه، أي أن التركيب اللغوي وخصائص اللغة الأخرى عاملاً أساسياً
في الطريقة التي يتصور بها المجتمع حقائق العالم الذي يعيش فيه "لا الصورة
الذهنية الجمعية".
ـ استطاع علماء
النفس المعرفي بعدّ مجموعة ضخمة من الأبحاث مع علماء الحاسبات الآلية وضع برامج
لدراسة قدرة الإنسان على تحليل وتصنيف واختزان واسترجاع المعلومات عند الحاجة
إليها، قاموا بعمل أبحاث دقيقة للتعرف على بعض الخطوات التي يستخدمها الإنسان في
التفكير وحل المشكلات، ووضعوا على أساسها البرامج التي تحاكي النشاط المعرفي للإنسان.
ـ هذه الأبحاث
كشفت كثيراً من الجوانب التي كان السلوكيون يعتبرونها صندوقاً مغلقاً لاسبيل للوصل
إلى ما بداخله كما أتت بكثير من النظريات والتفسيرات التي أعجزت التصور
الساذج لسيكلوجية الإرتباط بين المثير والإستجابة وفتحت كوة للأخصائي النفسي
المسلم للتعرف على أهمية عبادة التفكر وما يصاحبها من نشاط معرفي عقلي داخلي.
ـ مجمل هذه
الدراسات كشفت عن حقيقة واحدة هي:
"مايفكر به
الإنسان هو الذي يؤثر على معتقداته وسلوكه فإن كان تفكيره في صنع الله ونعمه كان
ذلك سبباً في ارتقاء إيمانه"
ملخّص آراء
المدرسة المعرفية نلخصه فيما يلي:
1 ـ ركّز علماء
النفس المعرفيين في علاجهم على تغيير التفكير الشعوري عند الإنسان أي النشاط
الفكري الذي يسبق عادة الإستجابات الإنفعالية.
2 ـ الإنسان لايكف
مطلقاً في أي لحظة من لحظات الليل والنهار عن النشاط الفكري سواء شعر به أم لم
يشعر؟
3 ـ النشاط الفكري
الداخلي للإنسان سواء شعر به أم لم يشعر به هو الذي يوجه سلوكه وتصرفاته الخارجية،
وهذا الإستنتاج الذي توصّل إليه علم النفس حديثاً يؤكد صدق ماقرّره الإسلام من أنّ
التفكّر في خلق الله هو العمود الفقري للإيمان الذي ينبثق عنه كل عمل خير.
جاءت بعد ذلك
المدرسة الواقعية لوليم جلاسر وهي امتداد للمدرسة السلوكية لكنها أعمق منها بكثير
وأخذت بعض أفكار المدرسة المعرفية وأبرز فكرة جاءت بها هي:
1 ـ أن كل عمل
يبدأ بنشاط معرفي داخلي كخاطرة أو تخيّل أو إدراك حسّي أو انفعال ( تمثيل ذهني).
2 ـ هذا النشاط
المعرفي إذا ازدادت قوته أصبح دافعاً للسلوك Motive وإذا قام الفرد بهذا
السلوك المدفوع وكرره فإنّ الأفكار الداخلية حينئذ تكتسب القدرة على الإتيان بهذه
الأعمال بطريقة تلقائية حتى تصبح عادة متأصّلة فإذا أراد الأخصائي النفسي المعرفي
علاج هذه العادة فعليه أولاً أن يغير من الأفكار الداخلية والشعورية التي تأتي
بها.
يتبع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق