من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
تنمية الإنسان عقلاً وروحاً وجسداً
تحدثنا
في التدوينة السابقة عن تاريخ علم النفس في دراسة علاقة الروح والعقل من جهة بجسد
الإنسان من جهة أخرى وكيف يؤثر كلاًّ منهما بالآخر، ونواصل اليوم الحديث عن هذا
الموضوع بتفصيل أكثر..
ـ
خلاصة ماتلتقي عليه المدرسة المعرفية والواقعية: "أن مايفكّر به الإنسان
ويشعر به وينفعل له ويدركه على المستوى الشعوري هو الذي يشكل تصوراته للحياة ويصوغ
عقائده وقيمه ويوجه تصرفاته الخارجية السوية منها والشّاذّة"، ويختلفون في
الإجراءات.
ـ
بالرغم مما توصل إليه الغرب في علم النفس وهو نتاج ضخم وذو قيمة ولا ننكره فهم
آباء علم النفس إلا أننا نقول أن علماء الإسلام سبقوا ذلك بكثير فكتبوا في الفكر
وأصّلوا فيه كلاماً أعتبره أعمق وأرسخ قدماً مما كتبه علماء النفس الغربي، قال ابن
القيم رحمه الله في كتابه القيّم مفتاح دار السعادة: "الفكر هو المبدأ
والمفتاح للخيرات كلّها وهو من أفضل أعمال القلوب وأنفعها".
ـ
بل إن ابن القيم فصّل القول في الخواطر والأفكار التي تدور في الذهن قبل أن تولد
شهوةً ودافعاً تزداد قوة حتى ينفّذها الفرد بالفعل في واقع الحياة فإن نفّذها
وكرّرها أصبحت عادة.
ـ
فصّل علماء الإسلام كذلك في استمرار النشاط الفكري الداخلي للإنسان هذا النشاط
الذي لايتوقف عن العمل في أي لحظة من حياة الفرد وقدموا خالص النصح لمن أراد أن
تكون أفعاله خيرة أن يراقب أفكاره وخواطره وأن يديم ذكر الله والتأمل والتفكر في
خلق السموات والأرض لأن الخواطر والأفكار إن ظهرت فستتبعها الأقوال والأعمال.
ـ
الإبداع الفعلي لعودة علم النفس كانت على يد وليم جلاسر الذي أسس للمدرسة
الواقعية التي أكدت على أن هناك حدثاً خارجياً وأنّ هناك رد فعل تجاه هذا
الحدث ورد الفعل هذا ليس نتيجة الحدث الذي حصل في البيئة الخارجية بل بسبب الصورة
الذهنية المتشكلة في دماغ الإنسان فرد الفعل ليس بناء على الواقع بل المتوقع أي
بناء على التمثيل الذي نشأ في الذهن
وأشبه
ماذكره وليم جلاسر بعملية التصوير فكأن الدماغ يلتقط صورة للحدث الخارجي
الذي حدث أمامه هذا هو التفاعل الأول بين الحدث والدماغ وبعد أن يلتقط صورة
للحدث وتمر عبر الفلاتر النفسية التي منها القيم والمعتقدات والمستوى
الثقافي...الخ يحصل التفاعل الثاني وهو التفاعل بين الدماغ والصورة
الملتقطة، ثم يصدر ردة الفعل وبناء عليه يقول جلاسر أن السلوك الصادر ليس
بناء على الحدث الخارجي بل بناء على الصورة الذهنية التي تكونت والصورة الذهنية هي
التفسير الذي قام به الفرد تجاه الحدث الخارجي الذي وقع له باختصار أستطيع
تلخيص نموذج وليم جلاسر كما يلي:
(1)
حدث خارجي
(2)
تمثيل ذهني ( تفسير للحدث الخارجي)
(3)
انفعال
(4)
فسيلوجيا
(5)
فعل (سلوك)
فأولاً
يحدث الحدث ثم يلتقط الدماغ صورة للحدث وهذا هو التفاعل الأول وهنا يكون التفسير
قد حصل ثم يحدث الإنفعال ثم يستجيب الجسد لهذا الإنفعال بضربات القلب ونبض الدم ثم
يصدر الفعل الذي هو السلوك، والسلوك الصادر ليس بناء على الحقيقة في الخارج بل على
التمثيل الذهني في الداخل وبسبب التعاقب السريع بين التفاعل الأول والثاني لتكوين
صورة للحدث يظن الشخص أنه غير موجود لأنه لايستطيع ملاحظته.
يتبع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق