الاثنين، 4 يناير 2016

كيف نفهم الحب ونتعامل معه ونتحكم به؟ (3) / الدكتور خالد بن محمد المدني



من مقالات الدكتور خالد محمد المدني

كيف نفهم الحب ونتعامل معه ونتحكم به؟



في هذه التدوينة نواصل الحديث حول فلسفة الحب .. وسأتحدث عن دواعي وأسباب نشوء الحب كثيرة ومتعددة إلا أنّ جامعها ورائدها هو الشعور الذي تتبعه الإرادة والميل، وسأحاول في الكلمات التالية ان أتحدث عن فلسفة الحب وأصل نشأته وسأركز على ثلاث زوايا هي:
- من زاوية منطق الدين.
- من زاوية المنطق النفسي.
- من زاوية منطق المحبين أنفسهم.
ـ من أسباب نشوء الحب:
أولاً: وصف المحبوب وجماله، وشعور المحب به، والمناسبة وهي العلاقة والملاءمة التي بين المحب والمحبوب فمتى توفرت هذه الثلاث (الوصف والجمال والشعور) وكملت قويت المحبة واستحكمت، ونقصان المحبة وضعفها بحسب ضعف هذه الثلاثة أو نقصها، فإذا كان المحبوب في غاية الجمال وشعور المحب بجماله أتمّ شعور والمناسبة التي بين الروحين قوية فذلك الحب اللاّزم الدائم، وفي الحديث: (الأرواح جنود مجندة ماتعارف منها إئتلف وما تناكر منها اختلف) وهذا الذي يصدق فيه قول العرب: الحب يعمي ويصم، وقولهم الحب أعمى، ومن الحب ماقتل، ولذلك يحكى أنّ عزّة دخلت عل الحجّاج فقال لها: ياعزّة والله ما أنت كما قال فيك كثيّر، فقالت: أيّها الأمير إنه لم يرني بالعين التي رأيتني بها قال الشاعر:
فوالله ماأدري أزيدت ملاحة   
 وحسنا عل النسوان أم ليس لي عقلُ
وإذا كان الجمال كاملاً لكن الشعور به ناقصاً لم تحصل المحبة.
والمناسبة نوعان:
- أصلية من الفطرة
- عارضة بسبب المجاورة والإشتراك في أمر من الأمور كالعمل مثلا فإن ناسب قصدك قصده حصل التوافق بين الروحين، فإذا اختلف القصد زال التوافق، أمّا الأصلي من الفطرة فهو اتفاق أخلاق وتشاكل أرواح وشوق كل نفس إلى مشاكلها، وهنا يحصل الإنجذاب كانجذاب الحديد للحديد، ومما يجدر الإشارة إليه أنّ الحب لايقف على الحسن والجمال وإنما هو تشاكل النفوس وتمازجها في الطباع:
وما الحبّ من حسن ولا من ملاحة
ولكنه شيء به الرّوح تكلف
فكأنّ المحب يرى محبوبه كمرآة يرى فيها طباعه وصفاته.
وإذا كانت المحبة بالمشاكلة والمناسبة ثبتت وتمكنت ولم يزلها إلا مانع أقوى من السبب، وإذا لم تكن بالمشاكلة فإنما هي لغرض من الأغراض وتزول عند انقضائه وتضمحل، فمن أحبك لأمر ولّى عند انقضائه:
خذي العفو مني تستديمي مودتي
ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
فإني رأيت الحبّ في القلب والأذى
إذا اجتمعا لم يلبث الحبّ يذهب
ومن منطلق الذكاء العاطفي نستطيع أن نقول أنه يمكن أن يجتمع في القلب بغض الحبيب وكراهته ومحبته من وجه آخر، فيحبه ويبغض أذاه الذي هو سلوكه ، والغالب منها يواري المغلوب ويبقى الحكم له.
ولوقلت طأ في النار أعلم أنّه
رضا لك أو مدن لنا من وصالك
لقدّمت رجلي نحوها فوطئتها
هدى منك لي أو ضلّة من ضلالك
وإن ساءني أن نلتني بمساءة
فقد سرّني أنّي خطرت ببالك
وهنا يحصل التلذذ بأذى المحبوب وهذا حرف للحب عن حقيقته وكرامته.
والخلاصة أنّ المحبة تستدعي مشاكلة ومناسبة (ذكرت أم المؤمنين عائشة  أنّ امرأة كانت تدخل على كفّار قريش فتضحكهم فقدمت المدينة فنزلت عل امرأة تضحك الناس فقال عليه الصلاة والسّلام: على من نزلت فلانة؟ فقالت على فلانة المضحكة فقال:الأرواح جنود مجندة ماتعارف منها إئتلف وماتناكر منها اختلف) رواه الإمام أحمد في مسنده ،
يقول الإمام بن القيم رحمه الله: دواعي الحب من المحبوب جماله، إما الظّاهر وإمّا الباطن أو هما معا فمتى كان جميل الصّورة جميل الأخلاق والشّيم والأوصاف كان الداعي منه أقوى وداعي الحب من المحب ثلاثة أشياء:
- النظر إما بالعين أو بالقلب إذا وصف له.
- الإستحسان فإذا لم يورث نظره استحسان لم تقع المحبة.
- الفكر في المنظور وحديث النفس به ، فإن شغل عنه بغيره مما هو أهمّ عنده لم يعلق حبّه بقلبه وإن كان لايعدم خطرات وسوانح ، ولهذا قيل العشق حركة قلب فارغ.
يتبع...

د.خالد محمد المدني

خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة

رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO.

دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا

للتواصل مع الدكتور خالد المدني

ch@olto.org


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق