الأحد، 15 فبراير 2015

ابحث عن المفتاح أيها القائد !! / الدكتور خالد بن محمد المدني



من مقالات الدكتور خالد محمد المدني

ابحث عن المفتاح أيها القائد


مدونتي اليوم قد تكون خارجة عن السياق المعتاد للقادة إلا أنني أعتقد أنها من أهم مواضيع القيادة، أبدأ بها بحديث عظيم عن المصطفى عليه الصلاة والسلام فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إنَّ من الناس ناساً مفاتيحً للخير.. مغاليق للشر، وإنَّ من الناس ناساً مفاتيحً للشر.. مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويلً لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه) حديث حسن رواه ابن ماجة.
ما دعاني إلى كتابة هذه التدوينة قصة قرأتها في أحد مواقع التواصل الاجتماعي برويها صاحبها فيقول :
جئت إلى منزلي وبرفقتي أحد أصدقائي الذين دعوتهم لتناول طعام الغداء معي لكنني تفاجأت أن المفتاح لم يفتح فأصابني بعض الحرج من ضيفي الذي أحسًّ هو الآخر بحرجي فحاول ملاطفتي في مهمة فتح الباب التي كادت أن تنتهي بكسر المفتاح داخل القفل العصيّ على الدوران، يقول :
وفجأة اكتشفت أنني أدخلت المفتاح الخطأ!!
فالمشكلة لم تكن في المفتاح ولا في الباب بل كانت في اختياري أنا للمفتاح الصحيح..
يحكى أن أحد الأخيار كان متحمّساً لمشروع خيري فقصد أحد أكبر التجار في منطقته وعرض عليه المشروع فأعطاه خمسة آلاف ريال...فخرج الرجل محبطاً يجرُّ أذيال الخيبة، وفي المساء قابل شيخاً مسنّاً وأخبره بالقصة فقال له المسن: هذا التاجر مفتاحه فلان هو الذي يعرف (وزنية) قفله فانطلق هذا الرجل للشخص وعرض عليه المشروع فموًّل المشروع بالكامل!!
ماذا نستفيد من هاتين القصتين في القيادة؟
القائد الجيّد قارئ ومفتاح متميز يستطيع اكتشاف بواعث ومحركات الآخرين، ومشكلة القيادات في العموم أنهم يعتقدون بأنفسهم الكمال ويفترضون المشكلات في الآخرين و لا يجهدون أنفسهم في قراءة الآخرين وتلمّس نقاط تميزّهم وعيوبهم فيفشلون في اكتشاف شفرات الآخرين وسرًّ تفوقهم!!
محمد عليه الصلاة والسلام كان قارئاً رائعاً لأصحابه...
تأمّل معي هذا الحديث العظيم الذي أعتبره شخصياً سرٌّ من أسرار قادة التميّز:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه كما أخرجه الترمذي:
(أرحم أمّتي بأمّتي أبو بكر، وأشدّهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، و أقضاهم علي " أي أعلمهم بالقضاء بين المتخاصمين "، وأفرضهم زيد بن ثابت " أي أعلمهم بعلم الفرائض والمواريث "، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرؤهم أبي، ولكل أمّة أمين, وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح). 
توظيف النبي عليه الصلاة والسلام لإمكانات أصحابه كان وراءه قراءة عميقة وبعد نظر كبير ليس فقط لإمكاناتهم بل لخلفياتهم النفسية أيضاً، فقد أرسل عثمان للتفاوض في صلح الحديبية برغم وجود أبو بكر وعمر لمنزلة كان يكنّها له كفار قريش وهذا ذكاء في القيادة منه عليه الصلاة والسلام.
وكانت إجابات النبي القائد للسائلين تختلف باختلاف حال السائل وهذا مبني على قراءة دقيقة للأفراد وهي صفة أخرى من صفات قادة التميز فالسؤال الواحد مثلاً: ما أحب الأعمال إلى الله؟؟
فأجاب النبي أحدهم: الصلاة على وقتها، وأجاب الآخر : الجهاد في سبيل الله ولمن استوصاه، قال للأول: لا تغضب، وقال للثاني: اعبد الله كأنك تراه، وقال للثالث: إذا عملت سيئة فاتبع الحسنة تمحها، بل عندما اكتشف النبي عليه الصلاة والسلام أن أبا سفيان رجل يحب الفخر فقال العباس بن عبد المطلب للنبي عليه الصلاة والسلام إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فلو جعلت له من ذلك شيئاً فقال عليه الصلاة والسلام: (من دخل دار أبا سفيان فهو آمن).
ليت القادة في زماننا هذا يأخذون مفتاحاً أو مفتاحين من مفاتيح القيادة للتأثير على أتباعهم
فتأمل أيها القائد مفاتيح أتباعك!!

د.خالد محمد المدني

خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة

رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO.

دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا

للتواصل مع الدكتور خالد المدني

ch@olto.org

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق