السبت، 7 فبراير 2015

كيف نتعامل مع أحداث الحياة (1) / الدكتور خالد بن محمد المدني

من مقالات الدكتور خالد محمد المدني

كيف نتعامل مع أحداث الحياة


أتحدث في هذه التدوينة عنك أيها الإنسان وكيف تتعامل مع أحداث الحياة وكيف تؤثر بك وماذا يمكن أن تصنع بك سأتحدث في حلقات متسلسلة وأجعلها في نقاط حتى يسهل فهمهما وهضمها وتطبيقها كتقنيات للوقاية من الأحداث المؤلمة كالصدمات وللعلاج لمن أصيب بحدث مؤلم أثر عليه.
في الرخاء نتحدث عن الصبر والإيمان بالقضاء والقدر وضبط الانفعال فهل نحن قادرون على ممارسة ذلك وقت الشدة والضيق؟
الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عندما طلب الخليفة المعتصم إلقاء القبض عليه في فتنة خلق القرآن اختبأ عند أحد طلابه وهو إبراهيم بن هانئ ومكث عنده ثلاثة أيام وفي نهاية اليوم الثالث قال له: ابغي لي مكاناً آخر فقال له إبراهيم بن هانئ يا إمام! إن الرصّد في الخارج (أي الجنود) ولو أطللت برأسك لأخذوك فقال له ابغي لي مكاناً وسأعطيك فائدة، فبحث له عن مكان حتى وجد له مخبأً فلمّا انتقل إليه قال الإمام أحمد لابن هانئ: علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وصاحبه أبو بكر رضي الله عنه لبثا في الغار ثلاثة أيام فأردت أن أطبق سنة رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام
"وليس المؤمن من يطبق السنة حال الرخاء ويتركها في الشدة"
فانظروا إلى عظم إيمان هذا العالم وكيف ضبط خوفه واضطرابه وعرّض نفسه للخطر ليطبّق السنة.
إن الذي يميّز بين المؤمنين الإيجابيين في الحياة هي مواقف الشدة وليس الرخاء ففي الرخاء لا فضل لأحد أن يفخر بتماسكه وهدوءه بل الفخر كل الفخر في التماسك وقت الشدة.
خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة يحرس الناس فمر بامرأة غاب عنها زوجها في الحرب وهي في بيتها فسمعها تقول:
تطاول هذا الليل واسود جانبه ... وطال عليّ ألاّ خليل ألاعبه
فو الله لولا الله تخشى جوانبـه ... لحرك من هذا السرير جوانبه
فقال رضي الله عنه مقولة تسطر بماء الحياء:
( لا يدعي العفة من ماتت فيه الرغبة كما لا يدعي الزهد من لا يملك من المال شيئاً...رحمها الله حركها العشق وعصمتها العفة )
هذا هو الاختبار الحقيقي أن تصمد حال الشدة وليس حال الرخاء.
مررت بمواقف كثيرة من الشدة بعضها أستطيع البوح به وبعضها الآخر لا أستطيع لخصوصيته كان من أكثرها وقعاً على نفسي وفاة والدتي رحمها الله فجأة ثم والدي رحمه الله وبينهما ثلاثة أشهر وجدت أن الأمر ليس سهلاً ويحتاج إلى تدريب وترويض للنفس لحظة نزول القضاء واستدعاء الوعي ومعاني الإيمان العميقة لحظة تنزّل المصاب الأليم.
إلى ذلك أرشد نبي الرحمة محمد (ص) أمته للعلاج عند نزول البلاء ومنها الاسترجاع (حسبنا الله ونعم الوكيل إنا لله وإنا إليه راجعون) والحوقلة (لا حول و لا قوة إلاّ بالله) و الاحتساب (اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها) هذه الثلاثية لها فعل السحر في ترويض النفس عند نزول المصاب لذلك أسميتها الواقيات من الصدمات و العاصمات من النكبات سر تأثير هذه الثلاثية أنها تستدعي الوعي ليتحكم في اللاوعي لأنه في الصدمات يباغت الحدث صاحبه فيغيّب الوعي ويقود اللاوعي.
·      أسّست بعدها منهجاً روحانياً عقلانياً نفسياً في التعامل مع أحداث المواقف الصادمة والضاغطة في المستقبل يعتمد هذا المنهج على حقيقة ثابتة وسنة كونية راسخة:
( ليس المهم ما يحدث لك إنما المهم كيف تنظر لما يحدث لك )
فالمهم هنا هو تفسير الحدث كيف نلتقط صورة للحدث فعندما تقول الخيرة فيما اختاره الله تكون قد فسرت وعياً تفسيراً موضوعياً وعندما تقول لماذا ابتلاني الله هذه البلية؟ يكون لاوعيك قد قادك وفسرت الحدث عاطفياً وهنا سيؤثر عليك سلباً.
سأحاول في هذه التدوينة أن ألخّص لكم هذا المنهج العلمي العملي في الوقاية من أحداث الحياة المؤلمة يجب علينا أولاً أن نعمل بروفة للمستقبل لما يمكن أن يحدث لنا من أحداث لا تسر و الاستعداد للتعامل معها بوعي وإدراك، و لا أدعو للإكثار من هذه البروفات فقليلها كالملح على الطعام مفيد و كثيرها مقلق والضبط والربط بيدك والوزن و الاتزان أنت سيده.
عندما أقول ليست المشكلة في الأحداث فأنا أعي ما أقوله تماماً فالحدث من طبيعته أنه محايد يقع على الجميع ويصاب به الجميع خذ على سبيل المثال حدث الموت هل يقع عليك وحدك؟ لا كلنا سيموت يقع عليّ وعليك وعلى أحبابك إذن أين المشكلة؟ المشكلة تكمن في تفسير هذا الحدث من قبل الإنسان ومن ثمّ التعامل معه إن أصاب أحبابنا.
دعوتي هي في ضبط رد الفعل عند وقوع الحدث أي في الضبط والربط عند التقاط صورة الحدث، سأوضح أكثر..
أخي الكريم & أختي الكريمة إن عقلك كآلة التصوير يلتقط صوراً للأحداث كما يلتقط المصور صوراً لمجسم جميل فهو يأخذ صوراً من أبعاد مختلفة فيقترب ويبتعد ويصعد لأعلى وينزل لأسفل لكي يعطي جمالاً لهذا المجسم وينقل حقيقته وحقيقة إبهاره للآخرين، و إن عقلك كذلك.
والآن دعنا نتوقف عند هذا السؤال الهام..
عندما تهتزّ يدك وأنت تلتقط صورة لذلك المجسّم كيف تظهر تلك الصورة؟
مشوشة مهزوزة غير واضحة أليس كذلك؟ جميل والسؤال الآخر هل يقبل المصور المحترف صورة بهذا الشكل؟ الإجابة المنطقية طبعاً لا، عقلك كذلك قد يهتز عند التقاط صورة الحدث الذي يحصل أمامه والذي يهزّ دماغك أثناء التقاط صورة الحدث هي كمية الانفعال الصادرة من الفرد و الاهتزاز معناه التفسير فمتى ما اهتزّ دماغك فمعناه أن التفسير للموقف قد حصل لكنه تفسيراً عاطفياً مضراً وليس نافعاً وكلما زاد انفعالك المصاحب للموقف زاد اهتزاز الدماغ وكلما قلّ الانفعال قل اهتزاز الدماغ و الاهتزاز معناه التفسير الخاطئ للموقف و الاهتزاز مجاز وليس حقيقة أي أنه اهتزاز معنوي وليس حقيقي لكنه ليبسط مفهوم التقاط صورة الحدث كيف تتأثر؟
إن أكثر الناس يفسرون الأحداث التي تمرّ بهم بأنهم (يلتقطون الصورة حين الاهتزاز) وهم في حالة انفعال شديد ولذا يسيئون تفسير الموقف فيشقون بصورهم الذهنية التي تكونت، فتذكروا دائماً أن:
(القدر لا يأتي إلاّ بخير) (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم) وأن (الخيرة فيما اختاره الله).
ما سبق أمثلة للتفسير الواعي الذي يضبط الانفعال فتكون الصورة واضحة ليست مشوشة ولا مهزوزة وهي حالة ثبات الدماغ التي هي بمثابة يد المصوّر.
·      أخي الكريم .. أختي الكريمة اجعل دائماً بين الموقف وبين التفسير فاصلاً زمنياً ليبرد الانفعال وذلك بضبطه فيكون التفسير واعياً منطقياً مسؤولاً.
·      أي رد فعل في حالة انفعال هو تفسير خاطئ وتصرف انفعالي للموقف وسأذكر لكم قصة رائعة في ذلك..
يروى أن عبد الله بن الزبير كان طامحاً للحكم كارهاً لحكم بني أمية فغضب على معاوية بن أبي سفيان وسبب ذلك أنه كان لابن الزبير أرضاً قريبة من أرض لمعاوية فيها عبيد له يعملون فدخلوا في أرض عبد الله بن الزبير وتشاجر عبيد معاوية مع عبيد بن الزبير وأريق دم عبيد بن الزبير مما أثار غضبه، فكتب كتاباً إلى معاوية لا يخلوا من الوعيد والفظاظة فقال له:
"من عبد الله بن الزبير إلى معاوية بن أبي سفيان ابن آكلة الأكباد أما بعد فإنه يا معاوية إن لم تمنع عبيدك من الدخول في أرضي وإلا كان بيني وبينك شأن"
فلما وقف معاوية على كتاب بن الزبير وكان فيه حلم وأناة رماه إلى ابنه يزيد ليقرأه وكان طائشاً متهوراً فلما قرأه قال له: ما ترى يا بنيّ  فقال يزيد: أرى أن تنفذ له جيشاً أوله عنده وآخره عندك يأتونك برأسه فقال معاوية: أنا لا أريد رأسه فقط بل أريده كلّه فلم يفهم يزيد فأمر معاوية بدواة وقرطاس وكتب ما يلي:
"وقفت على كتابك يا ابن حواريّ وساءني والله ما ساءك والدنيا هيّنة عندي في جنب رضاك وقد كتبت على نفسي رقماً بالأرض والعبيد وأشهدت عليّ فيه فإن وصلك كتابي فلتضف أرضي إلى أرضك والعبيد إلى عبيدك والسلام"
فلما وصل كتاب معاوية لعبد الله بن الزبير وقرأه كتب إلى معاوية ما يلي:
"وقفت على كتاب أمير المؤمنين أطال الله بقاءه فلا عدم الرأي الذي أحلّه من قريش هذا المحل والسلام"
فلما وصل كتاب عبد الله بن الزبير إلى معاوية رماه إلى ابنه يزيد فلمّا قرأه اصفرّ وجهه فقال له معاوية:(يا بنيّ إذا رميت بهذا الداء فداوه بهذا الدواء).
أرأيتم كيف ضبط معاوية انفعاله عند حدوث الحدث وعالج الموقف بعقلانية ومنطقية فكانت النتيجة زوال الموقف ورضا النفس الذي حصل من ابن الزبير..
 يتبع...

د.خالد محمد المدني

خبير القيادة من المركز الأمريكي للشهادات المهنيّة

رئيس مجلس إدارة منظّمة أكسفورد للتدريب القيادي OLTO.

دكتوراه الإدارة من جامعة السودان الحكوميّة للعلوم والتكنولوجيا

للتواصل مع الدكتور خالد المدني



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق