من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
اكتشاف الطاقات والمواهب
تدوينة اليوم
أتحدث فيها عن محمد عليه الصلاة والسلام وقيادته الفذة التي مارسها مع أصحابه
عليهم رضوان الله فكانت النتيجة أن صنع جيلاً فريداً من القادة الذين حملوا شعاع
الهداية ليعمّ البشرية أجمع، كانت قيادته عليه الصلاة شاملةً جميع المجالات
النفسية والعسكرية والتربوية وحتى السياسية، حتى أصبح نموذجه عليه الصلاة والسلام
في القيادة بحق نموذجاً متكاملاً يستحق تدريسه في أرقى جامعات العالم وإعداد
القيادات بناء عليه، هل هناك أعظم من أن ينتقل محمد عليه الصلاة والسلام إلى
الرفيق الأعلى ولم يسمّي خليفة بعده ويترك أخطر ملف من ملفات الدولة وهو اختيار
الحاكم لأصحابه، لكنه أعطى دلالات وإشارات لمن يخلف بعده وترك الاختيار لهم لأنه
يعلم أنهم قادرون على ممارسة الاختيار فقد جرّب ودرّب حتى تأكد من أنه مكّن،
وصنع قادة أفذاذا من بعده، وسأتحدث في هذه التدوينة على حلقات متسلسلة عن أهم
الجوانب التي تُميّز عليه الصلاة والسلام...
لقد استطاع القائد
محمد عليه الصلاة والسلام أن يكتشف طاقات أصحابة رضوان الله عليهم من حوله،
ويوظّفها التوظيف الصحيح ويوجهها أثناء أداء مهامها، فانتدب عثمان للتفاوض مع
المشركين في دخول مكة وكان على يديه إبرام اتفاق صلح الحديبية، وأناب عليّ بن أبي
طالب على المدينة، وكلّف خالد بن الوليد على مهمة قيادية في فتح مكة وسمّاه بعد
ذلك سيف الله فقال: (خالد سيف سلّه الله على المشركين)، وأمَّر عمرو بن العاص على
جيش المسلمين في سرية ذات السلاسل ولم يمض على إسلام عمرو سوى شهور في جيش فيه
كبار المهاجرين والأنصار، بل وأمَّر أسامة بن زيد ولم يتجاوز عمره سوى سبعة عشر
عاماً، تخيلوا إن لم يكن هذا تجريباً واختباراً لصفات القيادة فما عساه أن يكون؟
وقال لأبي ذر عندما طلب الولاية: (يا أبا ذر، إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم
القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأعطى الذي لله منها) أي في سياق الحكم
فقط وليس في السياقات الأخرى، وقال عن أبي بن كعب :(أقرؤكم أبي) وقال عن بن عباس:
(حبر الأمة وفقيهها) ، وقال عن زيد :(أفرضكم زيد) أي أعلمكم بعلم الفرائض، وقال عن
معاذ بن جبل: (أعلمكم بالحلال والحرام)، وقال عن علي بن أبي طالب :(من كنت مولاه
فعليّ مولاه) هذه بعض المواقف والسيرة مليئة بمواقف جمة عن كيف اكتشف القائد
العظيم محمد عليه الصلاة والسلام قدرات أصحابه ووظفها في السياق الذي يتناسب
وإمكاناتهم حتى أصبح المجتمع النبوي في المدينة خلية نحل منتجة كلّ يعمل وينتج
بصمت وإخلاص وتجرّد.
يتبع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق