من مقالات الدكتور خالد محمد المدني
التركيز على نقاط القوّة
التركيز على نقاط
القوة مع معرفته عليه الصلاة والسلام بنقاط الضعف التي يعاني منها أتباعه..
فالقائد الإداري المسلم الفذ هو الذي يستطيع تحديد واستنباط نقاط القوة والضعف لدى
الأتباع من أجل أن يتعرف على قدراتهم الحقيقية أولاً ثم من أجل توظيفها في السياق
والمهمة التي تتناسب وكل فرد، أما الغرض من معرفة نقاط الضعف ليس من أجل انتقادهم
أو التشهير بهم أو السّخرية بهم وإسقاطهم بل من أجل تطويرها وتحسينها واختبارهم
فيها، وهذا المعلم واضح جداً في حياة رسول الله عليه الصلاة والسلام: فقال عن عبد
الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعن أبيه: (نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من
اللّيل) فقال بن عمر: والله ما تركت قيام الليل بعد أن سمعت من رسول الله ذلك)،
وهذا هو الهدف التطوير وليس النقد أي إحداث سلوك إيجابي جديد وهذا ما حصل مع بن
عمر، وقال في حق خالد بن الوليد رضي الله عنه: (خالد سيف سلّه الله على المشركين)،
وفي غزوة مؤتة قال عليه الصلاة والسلام: (إن إخوانكم لقوا العدو، وإنّ زيداً أخذ
الراية فقاتل حتى قتل أو استشهد ثم أخذ الراية بعده جعفر بن أبي طالب، فقاتل حتى
قتل أو استشهد ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل أو استشهد ثم أخذ الراية
سيف من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليه)، وقال عن أُبِيّ بن كعب: (أقرؤكم
لكتاب الله أُبِيّ)، وقال عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (من أحب أن يقرأ
القرآن غضّا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أمّ عبد)، وفي حق بن عباس رضي الله
عنه وعن أبيه دع له بالعلم فقال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)، انظر
أخي الكريم .. أختي الكريمة إلى هذا الحديث الرائع الذي يدلّ على عمق معرفة النبي
عليه الصلاة والسلام بنقاط القوّة لدى أصحابه ووعيه بها، هذا الحديث الذي رواه
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه فِي سنَنه، وَالْحَاكِم
فِي مُسْتَدْركه: " أرحمُ أُمَّتي بِأُمَّتي أَبُو بكر، وأشدُّها حَيَاء
عُثْمَان، وأعلَمُهَا بالحلال وَالْحرَام معَاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله
تَعَالَى أُبِيّ، وأعلَمُهَا بالفرائض زيد، وَلكُل أُمَّةٍ أمينٌ، وأمينُ هَذِه
الأُمّة أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح ".
هذه كلها جوانب
قوة ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام عن بعض صحابته رضوان الله عليهم أجمعين،
ولذلك لمّا طلب أبو ذرّ الولاية منعها إياه رسول الله عليه الصلاة والسلام وقال
له: (يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها
بحقها وأدى الذي عليه فيها) لأنه كان يعلم من أنّ القيادة، والولاية تحتاج إلى
صفات خاصة وعرف من حال أبي ذر أنه ربما لا يملك هذه الصفات، لكنه لاشك يصلح
لمهمّات أخرى تتفق وجوانب القوة التي يملكها رضي الله عنه ولذلك قال له: إنك ضعيف
أي في هذا السّياق فقط، لأنه في سياق آخر قال: ( رحم الله أبا ذر، يمشي
وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده) وإن كان بعض العلماء يضعّفه، والهدف الأساسي الذي
من أجله يتعرف القائد الإداري المسلم على نقاط القوة والضّعف لدى الأتباع هو من
أجل توظيف هذه القدرات في الاتجاه الصحيح وتحسين نقاط الضّعف الممكن تحسينها،
والقائد الفذ هو الذي يعرف بالممارسة والخبرة تميز الأفراد في أشياء وتميز غيرهم
في أشياء أخرى، ومشكلة القيادات والمربين اليوم في عدم الإلمام بقدرات الأفراد
الحقيقيّة فكم من مواهب اختفت، وانزوت، وتقوقعت، بسبب عدم وجود من يكتشفها
ويوظفها، وفي عالمنا اليوم كثير من النماذج التي اكتشفت قدراتها بالصدفة بعد أن
تخرج من الجامعة وتوظف وعمل سنوات، والقائد حتى يكتشف قدرات أتباعه يحتاج إلى أن
يكون قريباً منهم يخالطهم يتواصل معهم بفعالية وشفافية عالية.
يتبع ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق